مضى عليك وقت طويل وأنت تلون باللون الرمادي. انطفأت جذوة نارك، فقدت حماستك وحواسك، فرحك ومرحك، انطلاقك وانعتاقك، وغدوت حبيس اللون الواحد الجامد والمشهد الساكن الذي لا يوحي إلا ببرودة النهايات. سأدخل المحترف الآن، جميعنا سندخل محترف الرسم ونلون، جميعنا نملك موهبة الرسم والتلوين، ليس الأمر حكراً على بيكاسو ودافنشي ورافاييل وفان جوخ. في محترف كل منا مجموعة من الريش بمختلف المقاييس، وعلب من مختلف الألوان، ولوحات مشدودة مجهزة لنبدأ بالرسم والتلوين. صالة العرض بالانتظار وزحمة المرتادين واضحة ومحسوسة. لنبدأ بالرسم والتلوين. ماذا نلون؟ نلون الأيام بلون الورود، نلون الأحلام بلون الوعود، نلون السفر بلون اللقاء. لنبدأ بالرسم والتلوين. لا حاجة بنا إلى هذه الألوان القاتمة التي طغت على مأكلنا وملبسنا ومفروشاتنا وسياراتنا ووقع خطانا، لا حاجة بنا بعد اليوم إلى حدة الانكسارات والهزائم في داخلنا وباطننا، لا حاجة بنا لهم بعد اليوم، لا حاجة بنا إلى التبطين والتعتيم والترميز والهمز واللمز أيضاً. كل خط يرتسم واضحاً معبراً، وكل لون ينساب، ينساب كمرآة النهر. لماذا نريد لأنفسنا أن تتغير تتقلب وتتحول إلى ما ليست قلباً وقالباً؟ لماذا نبحر عكس التيار؟ لماذا نعرج ما دام في إمكاننا أن نسير في خطوط مستقيمة؟ من نافذة المحترف نطل. نتأمل. ما لون البحر؟ ما لون الغيوم؟ ما لون الشجر؟ ما لون التراب؟ ما لون الصخرة؟ ما لون النهر والضفاف؟ ما لون الكرامة؟ ما هي؟ ماذا قلت كرامة؟! وهل تلون الكرامة أم تتلون؟ هل يلون الكبرياء؟ هل يلون الإنسان أم يتلون؟ نحن في المحترف الآن نضع اللمسات الأخيرة، نوقع على لوحاتنا، ونصنع التاريخ. لكن الأمر ليس بهذه السهولة. إنها معضلة الإنسان واللون، إنها رحلة التبدد والتبدل، من يجرؤ على تلوين الرغيف؟ من يجرؤ على تلوين النسخة والهمسة واللمسة؟ من يجرؤ على تلوين الشفتين والعينين، والبسمة والدمعة تتدافعان على الخدين؟ هل يلون الصوت؟ هل تلون الرائحة؟ هل تلون الروح؟ هل يلون الجنون والصالة في انتظار العارضين والزائرين؟ خلف الزاوية ما بالي أدعوك صغيري؟ قل لي هل تقبل تعييري؟ مع أنني أحبك من زمن، قدري في العالم ومصيري أهواك إذن من لي إلاك، ينام بريشة تصويري ويتغلغل في أعمق أعماقي، ويحرك دفة تفكيري [email protected]