بنشيد"لله ربي جزيل الحمد والمنة"، يؤديه صوت يختلج بشيء من الغضب، يبدأ عرض مسرحية"العزلة"في قاعة الأمير نايف للعلوم في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. لم تنته الموسيقى بعد، كانت المقطوعة الثانية مبحوحة النغمات، تحرك القدم في مكانها. وبعزلة أحس بها الجمهور فأخذ يكسرها بالثرثرة. وقبل أن يبدأ العرض، يسمع الجمهور صوت المخرج جلواح الجلواح يقول:"خطوة... ظن انه قادر على عزلهم... انصاعوا لكل أقاويله... وخيم وهم الشياطين على كل شيء... بين اللحظة والأخرى تولد عزلة جديدة... لا تحددها الخطوط الجغرافية... هي أبعد من الإحساس المادي". ظلام الواقع أم ظلام المخيلة، ذلك الذي يخيم على خشبة المسرح. مخفياً وراءه حائط المبكي، الذي يحمل صورة ما يفترض انه الأب المراقب بغياب... ونافذة قتلت من النظر إليها... ساعة تشير إلى وقت الزمن الذي تعيشه شخصيات المسرحية، تشير عقارب الساعة إلى زماننا هذا من دون تغيير. باب أحكم إغلاقه بصمت. تتدحرج تحته ثلاث عتبات هي الفاصلة بين"الهنا"داخل المنزل و"الهناك"خارج المنزل، الذي شبع تنظيفاً من مكنسة قش تحملها يد فتى شبه أخرس. وتصطدم المكنسة في سيرها بقيود النائم إلى جانب الباب. وتستند قبل ذلك إلى طاولة طعام، لم تحمل إلا الغبار وبعض فتات كلمات لم يهتم لسماعها أحد. ونصف دائرة من الكتب أشعلت فتيل المعرفة الخطرة على عقل سكنه الوهم والخوف من الخروج. هل هناك مكان لضحك الجمهور في عزلة الممثلين، لم يضحك أحد لأنها ببساطة لا تحمل ضحكاً عاقلاً، بل هستيري ينفجر من أخ عرف ماذا يوجد في الخارج، يغذي هذا الضحك الهستيري ظلمة جهل الآخر، وتشبثه بوصية حفظها عن ظهر قلب. جاءت المسرحية رمزية تخترق حاجز المألوف، وتدخل في عالم التفكير الذي لم يناسب الجمهور، التائه في حركات الجسد الراقصة أو"الإحياء الجسدي"الذي يثير نقطة استفهام عم يفعله أربعة إخوة بأطواق تلف معاصمهم. تتضح الصورة بعد بضع كلمات صارخة. مما يثير أمراً غريباً، من هو المخطئ هنا؟ الأب بوصاياه العشر، أم الأخ الذي خرج طفلاً متعلقاً بأمه الهاربة من سطوة الأب ? الواقع، أم ذلك الأخ الآخر الذي رأى العالم من خلال الورق المصبوغة بالكلمات؟ أين الحل الذي ينقذ المنعزلين؟ هل هو في الماضي أم الحاضر؟ في الوصايا والتعاليم أم في العلم أم في الحوار أو الشجار؟ السؤال الأكثر إلحاحاً كيف الخروج من العزلة المفروضة؟ هل تحكي المسرحية واقع المجتمع وبحثه عن الخروج مما وقع فيه، أم أنها جاءت بمناسبة الحملة ضد الإرهاب؟ أسئلة كثيرة وشكوك أكثر لم تجد الحل. ما زالت تبحث عن شيء. ما زال الخوف من الشياطين في الخارج ومن المعرفة في الداخل، من التأمل الحر مع النفس. هل الحل في الأخير هو البارود. تفجير كل شيء من دون استثناء؟ هذا ما حدث في"الهنا"داخل المسرح الذي انهار فيه كل شيء نتيجة التفجير، لكنه لم يجب عن الأسئلة ولم ينف الشكوك، تركها معلقة في غبار البارود المتطاير. ويبقى"الهناك"خارج المسرح هل يجيب عن تلك الأسئلة، أم ينبئ المخرج بأن الوضع برمته لا ينفع معه غير التفجير التام. عله يأتي بعد ذلك من يفهم الحياة بصورة أفضل! لعب المخرج بالإضاءة، في الكشف عن مكنونات أنفس الشخصيات بين ظلام المسرح والنور الأزرق، إذ تتحرر الشخصية من همّ الكلمة، لكن ذلك خلق نوعاً من الفتور في الأداء المسرحي، وتوقعاً من الجمهور بالخطوة التالية. قام الممثلون بأداء المسرحية في أقل من نصف ساعة... تراكمت فيه الأسئلة وخلت من الإجابات ما صعب اختراقها إلا بعد تأمل. يذكر أن المسرحية من فكرة إبراهيم بادي وتأليف حسن أبو علي وتمثيل كل من علي العمران، عبدالعزيز الرويشد، ولاء برغله، حسن البو علي. وفي الموسيقى علي العمران وهاني مدني. والديكور عبدالناصر زين، وساعد في الإخراج عبد الله الحسن. يشار إلى أن المسرحية معدة للمشاركة في مهرجان الجنادرية في الرياض.