تلوح في الأفق الصور المؤسفة لوباء "أنفلونزا الطيور" الذي فتك بملايين البشر أثناء العشرينات من القرن الماضي، كلما ذكرت أنباء"أنفلونزا الطيور"في أنحاء عدة من المعمورة هذه الأيام... فما هي أنفلونزا الطيور؟ هي نوع من الأمراض المعدية والوبائية التي تسببها الفيروسات وتنتشر بين الطيور، وإلى حد ما بين الخنازير. وتسبب هذه الفيروسات نوعين من المرض في الدواجن، أحدهما يتميز بأعراض قليلة الخطورة تزول بعد فترة قصيرة، أما الآخر فيسبب أعراضاً بالغة الخطورة وتكون نسبة الوفاة بسببه بين الدواجن عالية جداً، بل تكون غالباً متحققة في غضون ساعات قلائل. وفيروسات الأنفلونزا على ثلاث أنواع: A.B.C هما اللذان يصيبان الإنسان، ويتميز نوع A بقدرته على أحداث وباء موسمي بين الناس ويرمز إلى نوع A عادة في الأوساط الطبية برمزي H.N ويقسم هذا الفيروس إلى أنواع فرعية تصل إلى 16 نوعاً فرعياً من فئة H وتسعة أنواع من فئة N. وتعتبر الطيور المهاجرة والبرية هي الناقل الطبيعي للأنفلونزا من نوع A، وتحمله قروناً عدة من الأجيال من دون ضرر لها. وتقوم هذه الطيور البرية والمهاجرة بنقل الفيروس من نوع H5 و H7 إلى الدواجن، إذ تحصل فيه تطورات جينية عدة ليصبح ذا خطورة بالغة. والموجة الوبائية الحالية ل"أنفلونزا الطيور"بدأت في جنوب شرق آسيا عام 2003، وتعتبر الأكبر والأوسع، ما تسبب في هلاك ملايين الطيور والدواجن. والفيروس الحالي هو من نوع HSN1، وانتشر بسرعة البرق بين دول جنوب شرق آسيا، وعلى رغم إهلاك 150 مليون من الدواجن في الدول المتضررة إلا ان القضاء على هذا الفيروس كلياً يحتاج إلى سنوات عدة. وإذا كانت بعض الدول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا استطاعت احتواء الموجة الوبائية، فإن دولاً عدة لا تزال تحت وطأة هذا الوباء المحدق. ولكن إذا كان هذا الوباء يفتك بالطيور فما شأن الإنسان؟ إن هذا الفيروس من نوع H5N1 يمكنه الانتقال إلى الإنسان من طريق الاحتكاك والملامسة المباشرة للدواجن والطيور المصابة أو الأسطح الملوثة بإفرازات وفضلات هذه الطيور. وحتى هذه اللحظة فإن معظم الحالات التي انتقل بها الفيروس إلى الإنسان حدثت في اماكن ريفية حيث يحتفظ الناس ببعض الدواجن حول بيوتهم وفي مساكنهم. ولا يكمن الخطر الأكبر في انتقال هذا الفيروس إلى الإنسان فحسب، بل في امكان حدوث تطورات جينية على الفيروس تجعله اكثر شراسة وأكثر قدرة على الانتقال من شخص مصاب إلى آخر سليم، وعندها يصبح الأمر خارج حدود السيطرة يمكن ان يؤدي إلى موجهة وبائية تعم العالم أجمع. والخطورة تأتي من ان كثيراً من الناس، بل معظمهم لم يتعرض إلى هذا الفيروس طوال حياتهم، من ثم ليس لديهم أجسام مضادة تقاوم هذا الفيروس فيكون وقعه أشد وأكثر خطورة. ومع هذا فإن هناك حقائق حول هذا الوباء نسوقها إلى القارئ الكريم من باب التطمين ومنها: ان انتقال هذا الفيروس من الطيور إلى الإنسان لا يتم بسهولة، فمع الأعداد الضخمة من الطيور والدواجن التي اصيبت بهذا المرض، فإن اعداد الناس الذين اصيبوا بالمرض يبلغ نحو مئة شخص. وإلى الآن لا يوجد سبب واضح لكون اشخاص يتعرضون إلى دواجن مصابة فينتقل المرض إلى بعضهم من دون بعضهم الآخر. ومن الحقائق المهمة ان هذا المرض لا ينتقل من طريق اكل الدجاج والدواجن المطبوخة جيداً حتى في الأماكن التي ينتشر فيها الوباء، ولا يمكن استخدام البيض نياً، بل لا بد من طهوه جيداً في المناطق التي ينتشر فيها الوباء بين الدواجن. ولا يمكن الجزم في الوقت الحالي بامكان انتقال هذا الفيروس من شخص مصاب إلى آخر سليم على رغم الدلائل النادرة التي امكن استقصاؤها في المناطق الموبوءة، ولكن ينبغي التنبيه على ان استيطان المرض في بعض المناطق الآسيوية يزيد من فرص انتقاله إلى الإنسان، ومن كل حالة جديدة مصابة ب"أنفلونزا الطيور"، فان الفرصة باقية لحدوث تطورات جينية في تركيبة الفيروس تجعل من مسألة انتقاله بين بني البشر وحدوث كارثة وبائية مجرد مسألة وقت ليس إلا. وكثير من الناس الذين يصابون بهذا المرض يحملون الفيروس في افرازاتهم المخاطية والتنفسية حتى قبل ظهور اعراض المرض عليهم. أما مصل"أنفلونزا الطيور"المتوافر حالياً في الأسواق فلا يحمي من هذا المرض، ولا يزال العمل جارياً في شركات الأدوية لإنتاج مصل فعال يقي - بإذن الله- منه. ولكن من الأمور الجيدة ان هناك دوائين متوافرين في الاسواق حالياً، هما اوسيلتامافير المعروف تجارياً بتاميفلو وزاكامفير المعروف بريلينزا وهما قادران ? بإذن الله ? على تخفيف حدة المرض وتقليل قدرته بشرط ان يعطيا خلال 48 ساعة من بدء الاعراض. لكن محدودية إنتاج الدوائين وغلاء أسعارهما يجعلانهما في معزل عن الوصول إلى كثير من دول العالم، إذ تحتاج شركات الأدوية إلى عشر سنوات تقريباً لإنتاج دواء مثل تاميفوا يكفي 20 في المئة من سكان العالم. ومع هذا، فإن تقارير منظمة الصحة العالمية تشير إلى ان العالم غير جاهز للتعامل مع هذا الوباء على رغم التحذيرات المتكررة خلال العامين المنصرمين. وبحسب هذه التقارير فإن 40 دولة فقط استجابت لهذا النداءات وبدأت في إعداد خطط مبكرة لاحتواء هذا الوباء قبل وصوله. ولكن يبقي دور المجتمع في الاحتراز من هذا المرض وأخذ الاحتياط الممكن والإبلاغ عن الدواجن والطيور المريضة والنافقة وتجنب صيد الطيور المهاجرة، لأن الأمر ليس مسألة شخصية فحسب، بل هي قضية عالمية تهم البشر جميعاً. الدكتور أحمد الحقوي استشاري مشارك أمراض معدية مدينة الملك فهد الطبي - الرياض