لم يعد ريال مدريد عريقاً، ولم تعد الجواهر تتلألأ على تاجه الملكي، فكل النتائج والمؤشرات توحي باندحار واهتزاز عرشه، وكوكبة النجوم في الفريق لا يعكسون هذا اللقب إلا خارج الملعب وفي ما ندر داخله. وكالعادة دفع الرجل المسؤول عن إدارة الفريق الثمن برحيل واندرلي لوكسمبورغو وظل الرأس المدبر والقائد الأعلى للنادي فلورنتينو بيريز يصول ويجول، لكن إلى متى؟ قبل شهور قليلة خرج رئيس ريال مدريد مفتخراً بحقيقة ان النادي اصبح رسمياً الاثرى في العالم بعدما ازاح مانشستر يونايتد من طريقه، مصرحاً:"ودعنا المشكلات المادية في النادي الى الابد"... وكأن عشاق ريال مدريد حول العالم كانوا في انتظار هذا الاعلان بدل رؤية راؤول ورفاقه على المنصات يرفعون الكؤوس والالقاب. وبعد الاخفاق الكبير في العامين الاخيرين، وعلى ما يبدو ان الموسم الثالث سيكون خالي الوفاض ايضاً، فإنه من الواضح ان بيريز مهتم بإعلان مداخيل تقدر ب360 مليون يورو اكثر من تفادي اخطائه التي كانت بداياتها قبل اكثر من عامين بإقالة فيسينتي دل بوسكي الذي احرز خلال السنوات الاربع السابقة كأسي دوري ابطال اوروبا وبطولتي دوري محلي، وكأن بيريز مغرم بالفشل الكروي وإقالة مدربين ناجحين وكأن مؤسسته الاقتصادية تكره النجاحات الكروية. وكان تعليقه على سبب اقالة دل بوسكي:"لأن سجله ليس تقليدياً"، كونه جاء من داخل اسوار النادي واسمه ليس كبيراً في عالم اللعبة، وبالتالي سيصعب عليه التعامل مع أمثال بيكهام وزيدان وراؤول ورونالدو، متناسياً، أو مهملاً، نجاحاته... والنتيجة لا القاب تذكر منذ رحيله. وعندما كانت كل المؤشرات تؤكد ان سياسة التعاقد مع نجم كبير كل عام، وغالباً ما كان مهاجماً، ستصطدم بحاجز من الفشل الذريع، وحتى الناجح منها كان يهمل ويقصى، فمع معاناة راؤول المزمنة امام المرمى واستمرار تعرض رونالدو للاصابات، فإن الحل في رأي بيريز كان بيع مورينتس الذي قاد موناكو الى نهائي كأس دوري ابطال اوروبا 2004 والمتألق الدائم مع المنتخب الاسباني. وعندما جاء الانكليزي مايكل اوين، ومع دوام تسجيله الاهداف التي بلغت 13 هدفاً غالبيتها من مشاركته احتياطياًَ، فإنه ارغم على الرحيل، ليحل محله"العقيم"روبينيو صاحب الشهرة العالمية المبالغ فيها والتي حتى الآن لا يستحقها. وشراء اللاعبين وبيعهم، كلها قرارات يتخذها بيريز، وتكون في الاساس مبنية على المدخول المادي من كل صفقة بدل المكسب الفني والكروي منها، فكم مرة افتخر بصفقة ضم بيكهام واعتبرها الافضل في تاريخ النادي على رغم خلو خزائنه من أي لقب، فتأثير النجم الانكليزي المدلل على الفريق كان تجارياً ومادياً وليس كروياً. وحتى بيكهام نفسه اعرب عن انزعاجه من كثرة تبديل المدربين، وقال حديثاً:"عندما كنت في مانشستر دربني مدرب واحد لخمسة عشر عاماً"، في اشارة الى ان المدرب المقبل سيكون الخامس منذ اقالة دل بوسكي، أي في اقل من ثلاثة مواسم. وليس بينهم أي مدرب ممن يعتبرون من النخبة، فلوكسمبورغو لم يدرب ابداً في اوروبا من قبل، وكماتشو مشهور محلياً فقط، لكن في حين لم ينف مدرب تشلسي، البرتغالي جوزيه مورينيو رغبته في تدريب العملاق الاسباني، وأعرب مدرب يوفنتوس فابيو كابيلو صاحب الانجازات اينما حل، عن ترحيبه بفكرة تدريب الريال، فإن من الصعب الاعتقاد أن بيريز سيتوجه الى مدرب صاحب كفاءات وانجازات لأن من شروطه الاولى"الطاعة"المطلقة له، أي ان الآمر الناهي في كل شؤون النادي هو نفسه. وهذه حقيقة يدركها مدرب ارسنال الفرنسي آرسين فينغر الذي ابعد نفسه عن أي ارتباط بالنادي الاسباني، وكذلك فعل مدرب ليفربول الاسباني رفائيل بنيتيز. لكن هذه المرة يجد بيريز نفسه تحت مرمى النيران مباشرة، وأصابع كثيرة تشير اليه وليس الى المدرب البرازيلي المقال او الى نجوم الفريق. والذي يزيد مرارة وحسرة انصار الريال هو رؤية غريمهم التقليدي وعدوهم الاول برشلونة يتألق اسبوعاً بعد اسبوع، ويجذب مشجعين ومعجبين جدداً بطريقة لعبه الجميلة ومواهب نجومه"الحقيقيين"، فليس بينهم من يدعي النجومية او جاء على خلفية"سوبر ستار"، وحتى الافضل في العالم وأوروبا، رونالدينيو، يعشق اللعبة والكرة بين قدميه اكثر من حفلات السهر والترويج لصورة النادي. وما اكثر دلالة على نجاح سياسة خوان لابورتا في بناء فريق ناجح من المتألقين سوى نجاحه في نشل النادي من محنته المادية في الوقت نفسه. لماذا صعب هذا الامر على بيريز وكان سهلاً على لابورتا؟ وربما أنصع صورة للفارق بين الفريقين، ليس الاهداف الثلاثة التي دكها نجوم برشلونة في قلب مدريد وإنما عندما وقف انصار الريال يصفقون لرونالدينيو ورفاقه، على رغم الماضي الاسود والمليء بالتشنجات السياسية والوطنية. وليس غريباً ان يكون على قمة اختيارات انصار الفريق لخلافة لوكسمبورغو، في استفتاء اجري اخيراً، دل بوسكي نفسه 24 في المئة تلاه كابيلو 22 في المئة ثم بنيتيز 16 في المئة ففينغر 3.2 في المئة، وأخيراً مدرب منتخب انكلترا السويدي زفن غوران اريكسون 1.5، لكن من المثير ان نعرف ما هي خيارات بيريز التي من المرجح ان لا تكون بين خيارات أنصار ناديه.