اختلف 35 مشاركاً في ندوة "مقررات الثقافة الإسلامية بين واقعها والمتغيرات"، التي تنظمها جامعة الملك فيصل في محافظة الأحساء، حول تعريف الثقافة الإسلامية. وتباينت الآراء والمفاهيم حول التعريف في ختام الندوة أمس، وطالب متداخلون ب"إيجاد صيغة جامعة مانعة لمفهوم الثقافة الإسلامية"، على رغم أن الجميع أكد"استحالة إيجاد تعريف محدد للثقافة الإسلامية". ورد أحد المشاركين على مداخلة نسائية طالبت بالتعريف، قائلاً:"أرجو أن تأخذي ورقة وقلماً، لتكتبي: الثقافة الإسلامية هي تفسير وجودي، والقيم والنظم التشريعية بصفتها بناءً عضوياً متماسكاً ومتماساً مع واقع الإنسان، ومستمدة من الكتاب والسنة أو مرتكزة عليهما". وظهر خلال الندوة اتجاه يدعو إلى"ضرورة تعريف الثقافة الإسلامية في شكل موحد". وقال صاحب هذا الرأي:"هناك مصطلحات عالمية لم يتوحد الكثير في تعريفها على المستوى الشرقي والغربي، منها الإرهاب والأصولية والتطرف، ويأتي في إطارها بعض مصطلحات الثقافات العالمية والإقليمية والمحلية، وأيضاً الثقافة الإسلامية، التي نظر لها من خلال الجلسات إلى وجوب تحديد الهوية، بدلاً من أن يكون مصطلحاً هلامياً، حتى توظف لصالح المجتمع في أقطاب الدول العربية والإسلامية والدولية". وأفرزت الجلستان الخامسة والسادسة خلافاً لناحية تعريف الثقافة الإسلامية، أخذ جل وقت المشاركين، على رغم طرح أوراقهم المختلفة، فكانت الأولى عن"أهداف الثقافة الإسلامية"، والثانية عن"تطوير مقررات الثقافة الإسلامية". وشهدت الجلسة الخامسة أوراقاً ونقاشات حول من"يضع مقررات الثقافة الإسلامية"، وإن ذلك"ليس قابلاً للاجتهاد". وطالب أصحاب هذا الرأي بأن يكونوا من"المتخصصين في منهج الثقافة الإسلامية". وتداخل أحد الحضور في الرد على ورقة تربط الثقافة الإسلامية بالطب. وقال:"إن الورقة دخلت في أحكام فقهية، ما دعا إلى الخروج عن محور الثقافة الإسلامية، وما يجب من الطبيب والمريض في ظل ثقافة إسلامية". ولكنه أبدى تأييده للورقة"لأهمية فهم الطبيب والمريض للثقافة الإسلامية"، طارحاً سؤالاً"كيف ندخل الثقافة الإسلامية في جميع التخصصات العلمية والأدبية، ومنها الطب والهندسة والأدب؟ حتى لا يفقد الطالب التعليم الإسلامي". وانتقدت ورقة"طريقة تعليم الثقافة الإسلامية"، وقال صاحبها:"ساهمت في غلبة النعاس على طلاب الجامعات والكليات، وإضفاء الرتابة والملل على القاعات الدراسية". وعلق مشارك"إن المناهج حولت الطلاب إلى ببغاوات، تردد ما تسمع، من دون تفكير، بسبب كثرة الحشو والتلقين والحفظ، وجعلت الطالب يخاف من كل سؤال يتعلق في أمور الإسلام والدين، ويتقبل كل ما يلقى عليه". وركز آخرون على الطريقة والآلية في تدريس الثقافة الإسلامية، وهو المتبع في الدول المتقدمة،"بدلاً من الانغماس في المحتوى والمضمون، لشد الانتباه وترغيب الطالب في مواد الثقافة الإسلامية". وقال مشارك:"هناك أفكار مطروحة لتغيير طريقة التدريس وشرح مواد الثقافة الإسلامية، وهي خطة من المنتظر إقرارها وتعميمها على جميع الجامعات، تتضمن عمل مسابقة بين الطلاب واستخدام مواد تقنية وعرض إلكتروني". وقدم عضوان في هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود تعريفين متباينين للثقافة الإسلامية. ففيما رأى الدكتور مفرح القوسي ان"الثقافة الإسلامية هي معرفة مقومات الدين الإسلامي بتفاعلاتها في الماضي والحاضر، والمصادر التي استقيت منها هذه المقومات، وما يعني دراسة العلوم الإسلامية الصرفة في جوانبها المتعددة المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية، وما أضافه علماء الكلام والتفسير والحديث والفقه والسيرة من ثمرات الفكر الجاد والاجتهاد الأمين". ويرى الدكتور ناصر اليحيى:"أن الثقافة هي نتاج مجتمع، من خلال فهمه، والأفهام تختلف باختلاف المجتمعات وبيئاتها، والأمة الإسلامية لم تعد مجتمعاً واحداً، بل مجتمعات، تنوع فهمها، بناء على تنوع مذاهبها العقدية والفقهية، وبناء على ذلك تنوعت ثقافاتها التي هي انعكاس لأساليب حياتها الفكرية والاجتماعية، فمن الصعب جمع الأمة الإسلامية على ثقافة واحدة، وإن توحدت على ثوابت معينة، فإنها تختلف في ما بينها في تفسير كثير من النصوص التي تبني عليها أسلوب حياتها، لذا أرى أن التعريف المعياري لعلم الثقافة الإسلامية يبقى تجريدياً". واعتبر القوسي كلمة الثقافة"ذات أبعاد كبيرة ودلالات واسعة، يضيق عن استيعابها النطاق اللغوي لأصل الكلمة". وأضاف"نظراً لكون هذه الكلمة من الألفاظ المعنوية التي يصعب على الباحث تحديدها"شأنها في ذلك شأن لفظ"التربية"و"المدنية"و"المعرفة"وما إلى ذلك من المصطلحات التي تجري على الألسن من دون وضوح مدلولاتها في أذهان مستعمليها وضوحاً مميزاً، ونظراً لكون علماء العربية والإسلام على اختلاف تخصصاتهم في الزمن الماضي لم يستعملوا كلمة"الثقافة"بالمعنى الواسع، ولم يقيموا علماً مستقلاً يسمى"الثقافة"، جاء التعبير بهذه الكلمة وليد الأبحاث والدراسات الحديثة التي اطلع المسلمون من خلالها على العلوم والفلسفات الغربية، فاقتبسوا منها عدداً من المسميات التربوية". التوصيات تؤكد إنشاء جمعية للمتخصصين في الحراك الثقافي أوصت ندوة"مقررات الثقافة الإسلامية في جامعات المملكة وكلياتها بين واقعها والمتغيرات"ب"إنشاء جمعية علمية سعودية للمتخصصين في الثقافة الإسلامية والمهتمين بالحراك الثقافي". وشددت في توصياتها، التي صدرت في ختام أعمالها مساء أمس على"أن تكون الثقافة الإسلامية تخصصاً علمياً من فروع العلوم الشرعية، له قضاياه ومسائله، وشخصيته، التي تميزه عن غيره من فروع العلوم الشرعية الأخرى". وأكدت"تشجيع الجامعات على برامج الماجستير والدكتوراه في تخصص الثقافة الإسلامية للبنين والبنات"، مثنية على"سياسة التعليم في السعودية، التي نصت على تدريس الثقافة الإسلامية في التعليم الجامعي"، ومؤكدة"ضرورة تقرير الثقافة الإسلامية في جميع جامعات السعودية وكلياتها المدنية والعسكرية والحكومية والأهلية للبنين والبنات، بما لا يقل عن ثماني وحدات دراسية". واعتبرت الندوة ان"تدريس مباحث من الثقافة الإسلامية في مراحل التعليم العام يسهم في تحصين الشبان والفتيات من الاختراقات الفكرية والانحرافات الأخلاقية، وينمي فيهم روح الانتماء إلى أمتهم، والحب لوطنهم، والمشاركة في مسيرته التنموية والحفاظ على مكتسباته الحضارية". وشددت على"إدخال مقرر الثقافة الإسلامية ضمن الخطط الدراسية في برامج الماجستير، لإعطاء المتخصص في أي فن من فنون العلم والمعرفة منهجية تؤهله للقيام بدوره الريادي، وتوظيف تخصصه في أداء رسالته الثقافية"، مطالبة ب"تدريس مقررات الثقافة الإسلامية بما تتطلبه أهدافها، وبما يتوافق مع طبيعتها من خلال النظرة الشمولية والواقعية". كما طالبت ب"إنشاء أقسام أو وحدات أو مراكز خاصة في الجامعات والكليات التي ليس فيها أقسام أو مراكز للإشراف على تدريس مقررات الثقافة الإسلامية، والعمل على توفير المتطلبات البشرية والفنية التي ترفع مستوى الأداء وتعالج المشكلات". كما أكدت"ضرورة قيام الأقسام التي تتولى تدريس مقررات الثقافة الإسلامية بمراجعة دورية لمفرداتها وتطويرها والتأليف فيها". و"تبني دراسات ميدانية لمعرفة حاجات الطلاب والطالبات، وما يواجههم من مشكلات فكرية وسلوكية، ليستفاد منها في بناء مناهج مقررات الثقافة الإسلامية وتطويرها". وكذلك"عقد لقاءات علمية دورية لأساتذة مقررات الثقافة الإسلامية وأقسامها للحوار حول القضايا الثقافية، وسبل مواكبة المستجدات وعلاج المشكلات". وجاء في التوصيات أيضاً"ضرورة الاستفادة من التقنية الحديثة، وتوظيف الحاسب الآلي والتعليم الإلكتروني في تدريس مقررات الثقافة الإسلامية، وإقامة الدورات التدريبية وورش العمل، التي ترفع من أداء الأساتذة ومهاراتهم في استخدام هذه التقنيات وتوظيفها في تدريسهم". وأيضاً"ضرورة توفير الخدمات التي تقدمها تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في الفصول الدراسية، وتصميم قاعات الدراسة والمكتبات بما يتيح الفرصة للأستاذ والطالب للاستفادة من هذه التقنية". المبارك ينتقد "أحادية" العلي تميزت ورقة عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية الدكتور محمد العلي"نشأة علم الثقافة الإسلامية وتميزها على العلوم الأخرى"، بنقاش حامٍ مع الدكتور عبد الحميد المبارك. فالأول قسم ورقته إلى قسمين هما"نشأة علم الثقافة في العصر الحديث والمراحل التي مرت بها"، و"تميز علم الثقافة الإسلامية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وأهمية التدريس في الجامعات". بيد ان المبارك انتقد"النظرة الأحادية التي انتهجها الدكتور العلي، حين حدد قسم الثقافة الإسلامية في جامعة الإمام محمد بن سعود على أنه"الجهة الوحيدة المؤهلة لتأصيل هذه المادة". ورد العلي"قسم الثقافة الإسلامية قسم علمي مؤهل من خلال المعاناة والمسؤولية الملقاة عليه قبل غيره، في تأصيل تخصيص لها، ولكن هذا لا يعني إغلاق الأبواب أمام الآخرين، فالباب مفتوح لجميع الجامعات والكيات". وأضاف"نحن نواجه حرباً وتحدياً من بعض أصحاب العقول الجامدة". وتناول المتخصصون في علمي الحديث والتفسير. وقال:"إننا نحترمهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يوجهوا كلمة ثقافية فكرية، إلا أن تصاحب علم الحديث قراءات متوسعة وخارجة عن نطاق التخصص، فعلما الحديث والتفسير والعلوم الأخرى هي غير مؤهلة لوحدها لتواجه الغزو الفكري والثقافي أو العولمة الثقافية". تطوير أعضاء هيئة التدريس قبل مناقشة المناهج حملت ورقة عمل عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى الدكتور صالح الفريح، التي قدمها في الجلسة الثانية، مطالب حثيثة ب"تطوير أداء أعضاء هيئة التدريس في الأقسام التي تتولى تدريس مقرر الثقافة الإسلامية، وعدم التهاون في هذا الأمر"، مشدداً على"جعل تطوير الأعضاء هدفًا إستراتيجيًا للأقسام المعنية، وربط بعض الترقيات به أو وضع بعض العلاوات والمكافآت للساعين في تطوير أنفسهم". وقال في ورقته، التي حملت عنوان" إشكالات مقرر الثقافة الإسلامية في البناء والأداء":"هناك أهمية قصوى لتفعيل دور القسم المعني في متابعة تدريس هذا المقرر، والنظر في ما يتعلق بذلك، حتى لا يكون هناك أي نوع من أنواع القصور، لا في الالتزام بالمفردات والمنهج ولا في طريقة الأداء، لتتحقق الفائدة المرجوة من هذا المقرر على الوجه الأكمل". وشدد على"العناية باختيار أعضاء هيئة التدريس، الذين يتولون تدريس هذا المقرر في شكل دقيق، بحيث لا يخوض غمارها إلا من كانت لديه الأهلية الكاملة، والرغبة الصادقة"، داعياً إلى"فتح باب الدراسات العليا في أقسام الثقافة الإسلامية الماجستير، والدكتوراه، بحيث تكون قنوات لتخريج المؤهلين لتولي تدريس هذا المقرر المهم".