كان رمضان في ما مضى مليئاً بالروحانية التي يعيش خلالها العالم الإسلامي في مناخ العبادة، بعيداً من هوس الفضائيات. وطالما كان هذا الشهر فرصة ليعود المسلمون فيه إلى إحياء الكثير من تعاليم دينهم، والنهل من فيض الشريعة الإسلامية السمحة واستلهام ما فيها من قيم نبيلة غيبتها المشاغل الدنيوية. وأصبح شهر رمضان الفضيل مائدة يجتمع حولها أفراد الأسرة، كما بات شهراً لحجز مساحة تلفزيونية لمسلسلات تعرض في رمضان من دون بقية الشهور. يتبارى منتجو البرامج والمسلسلات التلفزيونية على عرضها، ليصل نصاب المسلسلات التلفزيونية الخليجية فقط 19 مسلسلاً. ويسجل شهر رمضان تغيراً في العادات اليومية، ولا يقتصر ذلك على انقلاب بين ساعات الليل والنهار، وإنما يتجاوز ذلك إلى أمور أخرى.تعتقد طالبة جامعية مثل عواطف سالم أن"شهر رمضان فقد بريقه الذي كان يميزه، وأصبح شوق انتظاره يكدره ما يرافقه من أجواء غير دينية كالسهر الطويل، ومشاهدة المسلسلات والبرامج التلفزيونية التي تتنافس المحطات التلفزيونية على إفساد بعض روحانية الشهر بها، إضافة إلى إعداد الطعام الذي يستهلك الحيز الأكبر من الوقت". من جانبها، تحاول منى عبدالله قدر الإمكان الابتعاد عن متابعة برامج التلفزيون، وترى أنها"من أكثر الأمور التي تلهي الصائم خلال رمضان عن أداء عباداته، إذ تقوم الفضائيات باختيار أجمل البرامج والمسلسلات لعرضها خلال الشهر، وتصبح متابعتها من الأمور الأساسية عند الشباب والكبار أحياناً". أما المدرسة عبير عبد الستار فترى أن"التطور في العالم هو ما أفقد الشهر الفضيل الكثير، خصوصاً تلك الطقوس الرمضانية البسيطة مثل المسحراتي، إذ انعدمت في مجتمعنا السعودي وهي شبه معدومة في بعض الدول الإسلامية". وتؤكد أن"المفهوم الخاطئ تمثل في تحويل شهر العبادة إلى شهر للسهر والسمر، والحرص على تجمعات الأصدقاء في الديوانيات والخيم الرمضانية، وتجمع الصديقات في المجمعات التجارية للتسوق أو المقاهي أو البيوت". وتشير إلى أن"المسلسلات على رغم كثرتها وتكرر عرضها في الفضائيات، إلا أنه غاب عن معظمها طرح ومعالجة الأمراض والآفات الاجتماعية المنتشرة في مجتمعاتنا، كما أظهرت بعض المسلسلات بعض العيوب في مجتمعاتنا بصورة مقززة". ومع ذلك تقر بأنها من المتابعين للبرامج والمسلسلات التلفزيونية الرمضانية، كما أنها تأخذ جل وقتها تقريباً. وترى وفاء عبد الرحمن أن"سلوكيات بعض المسلمين الشرهة التي لا تمت بصلة للأهداف المرجوة من صيام وقيام شهر رمضان الكريم تشوه صورة الصيام". وتعتقد أن"هذه السلوكيات تحتاج إلى إعادة نظر خصوصاً تلك التي تنتشر بين شريحة الشباب، والمتمثلة في السهر ومتابعة البرامج والمسلسلات الرمضانية، واعتقادهم أن الصوم لا يحمل سوى رسالة واحدة فقط هي الامتناع عن الأكل والشرب متناسين عمق رسالته الدينية والروحانية والاجتماعية". ومتابعة ما وصفته ب"السيل الجارف من الأعمال التلفزيونية التي لا يتلاءم محتواها في الغالب مع رمضان"هو في نظرها"انتهاك لأهداف الشهر الكريم التي وضعت له، وتأجيل متابعتها لما بعد رمضان أفضل، إذ يتكرر عرضها، فيما يتمكن الإنسان من تسخير وقته في رمضان كلياً للتعبد". وتستغرب الاهتمام الكبير بالمائدة الرمضانية والتبذير فيها مع أن الله نهى عن التبذير ودعا إلى الموازنة في كل أمور الدنيا. وخص بذلك هذا الشهر الكريم، الذي أنزل فيه القرآن لرفع المعنويات الدينية، بدلا من الشراهة البدنية، استعداداً لما بعد رمضان.