لم تعد خيام إفطار الفقراء والمساكين تحت أسماء "إفطار صائم"، "موائد الرحمن" هي المشهد الوحيد للخيمة الرمضانية في المدن السعودية، بل أصبحت تزاحمها خيام أخرى، أبهى شكلاً وأغلى ثمناً، ليس للفقراء فيها مكان. وبينما يعد الأثرياء خياماً من ذلك القبيل نوعاً من الوجاهة الاجتماعية يرمقها الفقراء من بعيد وبعيد، كأنها أغلال للأثرياء، مثلما"الحرمان للفقراء سلاسل وأغلال". هكذا ينظر البعض إلى الخيام التي بدأت الفنادق السعودية بين المتردية منها والنطيحة تتسابق إليها، مغازلة بذلك عشاق التراث التقليدي، الأمر الذي دفع هذه الظاهرة إلى الانتشار والتوسع، وباتت ذريعة أخرى لمطاردة السيولة النقدية في جيوب الأثرياء السعوديين رجالاً ونساءً. وفي إحدى تلك الخيام استجابت"الحياة"لدعوة هامور في مدينة الرياض اتكأ على إحدى الزوايا، وبدت الملذات تتبعها أخرى، لا يفصلها إلا حديث الشخصية المعروفة عن"أيام زمان"، ويا ليته تذكر أيام كانت موازنة أسرته سنة كمثل تقدر بأقل من فطورنا تلك الليلة، ولكن الأسئلة توالت"كم رمضان قضى في باريس؟ كم عيداً؟ كم شاهد؟ وكم فعل؟ وكم وكم"! مضت دقائق الخيمة، والزملاء يتهامسون"كم دفع؟". الأرقام غامضة لكنها فلكية. ومع أن الإفطار كان أفخم من الفخامة نفسها، وأشهى مما يدور في ذهن أمثال طبقتي إلا أنه أوحى لي بحزن وأسف، تردد في نفسي قائلاً :"كم عائلة سعودية باتت طاوية... وأخرى في ثياب ممزقة وأطمار بالية، لسان حالها يقول: لله يا محسنين. يا أثرياء يا أتقياء؟!". وإذا ما تجاوزنا فطورنا الشهي والمحزن لي شخصياً فإن جملة من الفنادق قبل دخول شهر الكريم تبدأ في الإعلان عن عروض خيامها الرمضانية ومميزاتها التي خصصتها بمناسبته، سعياً إلى كسب قدر اكبر من الصائمين لتعويض تدني نسب الإشغال فيها خلال الشهر الفضيل. ولكون مشروع الخيمة الرمضانية وجدت صداها داخل المجتمع في السعودية كما غيره من الدول العربية، لجأت بعض الفنادق إلى إطالة برامجها الرمضانية لتمتد إلى وجبات السحور. وحددت البعض من الفنادق لروادها خيارات عدّة من المجالس ذات الخصوصية والاستقلالية، إضافة إلى جلسات جماعية يكون فيها التلفاز حاضراً ليعرض من خلاله البرامج الترفيهية المميزة!! كما تعد بعضها أفضل الخيارات على الإطلاق لتناول الإفطار، إضافة إلى قائمة خاصة ومتنوعة لمأكولات السحور المميزة تحوي كل ما لذ وطاب من أشهى الأطباق الرمضانية والمأكولات والمشروبات الشهيّة التي يفضلها الناس في هذا الشهر الكريم. ويرى احمد الناصر أن الخيمة الرمضانية في شكلها المتطور جاءت في ظل احتياج فئات معينة من المجتمع إليها، مشيراً إلى أن الخيمة الرمضانية تحقق فوائد اجتماعية ونفسية عدة."أكون فيها مرة كل أسبوع لتجديد الذهن من دون أن اخرج عن الجو الروحاني السائد في شهر رمضان". وما أن يصدح المؤذنون في مساجد الرياض برفع الآذان مع غروب كل يوم من شهر رمضان، حتى تمتلئ هذه الخيمة بروادها على وجبات الإفطار المتنوعة والشهية بعد يوم طويل من العمل والطاعة وقراءة القرآن والدعاء. ويعتبر عبدالله السبيعي الخيمة الرمضانية مكانا مناسباً لاجتماع الأسرة خارج المنزل، وقضاء أوقات عائلية ممتعة في أجواء مفتوحة، مضيفاً أن اجتماع الأسرة بكاملها على طاولة واحدة فيه نوع من تغيير الجو ويشعر بالارتياح". ويحرص الشاب فهد التركي على الحضور إلى الخيمة الرمضانية بشكل شبه يومي، لاعتقاده بأنها تمثل فرصة لقضاء أوقات ممتعة بين الشباب والناس في أجواء رمضانية رائعة، قائلاً:"رمضان يحتاج إلى لمة مع الناس". ولا تقتصر الخيمة الرمضانية على الفنادق بل عمد الكثير من الأثرياء والعامة من المواطنين إلى تحويل"بيوت الشعر"إلى خيم رمضانية تكون ملتقى للأصدقاء والعائلات، وتطول فيها جلسات الود فيها بعد أداء العبادات لتمتد حتى ساعات السحر الأولى.