"اسمح لي أن أقول إن هذه المقابلة مليئة بالسوداوية التي أخشى أن تحيط بي، لأنني متفائل دائماً وأعتقد أن حالنا الآن أحسن بكثير من السنين التي خلت قبل بضعة عقود... صحيح أن هناك عقبات وممرات ضيقة وأنفاقاً مظلمة إلا أن نور الصبح ينبثق بعد اشتداد الظلام، وكلما اشتد العسر جاء اليسر من الله تعالى". هكذا أعرب الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي الدكتور صالح الوهيبي عن تفاؤله، في حديث إلى"الحياة"، وجه فيه رسالة إلى كل الشبان المسلمين قائلاً:"أمتكم ترعى رسالة ربانية خالدة، وتحتل موقعاً وسطاً في الكون، ولديها أكثر من نصف احتياطي النفط العالمي، وأكثر من نصف سكانها شباب.. فهل مع هذه الإمكانات تيأسون وتشعرون بالإحباط وتتأخرون؟"... في ما يأتي نص الحوار معه: هل الحديث عن محنة العالم الإسلامي تحبط من مشروع النهضة المقبل؟ - محنة العالم الإسلامي حقيقية، لكن مجرد سرد النكبات التي تعصف بالمسلمين والتقصير الحاصل منهم من دون السعي الحثيث إلى إصلاح الخلل لا فائدة منه. أما الانطلاق من المحنة لأجل السير في مشروع الإصلاح الكامل فهذا الحديث مطلوب ويؤدي إلى وضع اليد على الجروح ورسم الخطط الكفيلة بعلاجها، وهو ما سميته أنت مشروع النهضة. المسلم الحاضر يهيم بماضيه... ويعجز عن التواصل مع مستقبله؟ - من لا ماضي له لا حاضر له ولا مستقبل! والمسلم الصادق يتذكر ماضيه ويفخر به وبأسلافه الذين قدّموا للعالم أجمع ما لم تقدمه أمة على مر التاريخ. وهذا التاريخ العريق هو الذي يدفع المسلم للاقتداء بأسلافه والتأسي بهم في مواصلة السير الصادق الذي يجمع بين الدين والدنيا على حد سواء. ولو لم يكن في هذا الماضي إلا النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - لكفى، فما بالك والقمم فيه لا تكاد تحصى؟! التفكير في الذات من دون الجماعة والأمة عطل محركات النمو في مجتمعاتنا؟ - نعم، من أبناء الأمة المسلمة من يريد أن يعمل بمفرده وفي اعتقاده أنه يستطيع تقديم ما لا يمكن للجماعة أن تقدمه، والصحيح أن يد الله مع الجماعة. إضافة إلى أن التعاون يقلل الأخطاء و يزيد من فرص النجاح ويثري الخبرات. وهذا الكلام ينطبق على جميع الأفراد والمؤسسات والتخصصات، سواء في العلوم الدينية أو الدنيوية أو الدعوة إلى الله أو الإغاثة. وأخطر من ذلك أن يصادر المرء آراء غيره، ولا يعطي فسحة للنقاش فيما هو محل نقاش! جهود العمل الإسلامي كبيرة ولكنها تتبعثر هنا وهناك... فهل المشكلة في الوسائل أم الغايات أم ماذا...؟ - المشكلة معقدة, ولا يصح حصرها في عامل واحد, ومع ذلك لا أعتقد صحة هذا التعميم، فالعمل الإسلامي متنوع ويقدم خدمات جليلة ولله الحمد، مع ما يكتنفه من عقبات، إضافة إلى قلة ذات اليد مقارنة بغيره من الجهود غير الإسلامية. أي الفيروسات ينهش جسد الأمة أكثر... الفيروس التربوي أم السياسي أم الاقتصادي؟ الأمة كلٌ لا يتجزأ وأقل خلل في جسدها يؤثر فيه كله، ونحن نريد جسداً سليماً مستعداً لمواجهة كل التحديات وعلى كل الأصعدة... ما أيسر أن نلوم طرفاً واحداً كالعلماء أو الحكام أو المربين, وما أصعب العمل! يرى البعض أن تسييس العمل الإسلامي أفضل حصن يتحصن به ذووه؟ - أنا أقول لهؤلاء كما يقول العرب:"رمتني بدائها وانسلت", فالعمل الإسلامي هو ضحية السياسة, فشهداء الإسلام في العصر الحديث أرداهم قتلى رجالات الأنظمة القمعية التي تروج لهذه الإشاعات. وعلى أية حال, فالأمة المسلمة محتاجة إلى جهود أبنائها في كل المجالات الدينية والسياسة والاقتصادية والاجتماعية, فالمسلمون خلائف في الأرض ليعمروها بكل أنواع العمارة النافعة, والسياسة ليست شيئا محرما! آفة أمتنا: التنظير المستنسخ وجلد الذات والجمود؟ - التنظير والتخطيط والعمل كلها أمور مطلوبة بقدرها، فالعمل من دون تنظير وتخطيط لا فائدة فيه, والتنظير من دون عمل لا جدوى من ورائه, ولكن الجمع بين الحسنيين هو المطلوب, وكما قيل:"ما زال العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل", وقد أُمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالعلم ثم العمل مع الدعوة وبيان الحق ودحض الباطل والاجتهاد بالمدافعة. التمجيد المفرط لعلمائنا ومفكرينا يخيف البعض من نقدهم أو الاعتراض عليهم خوفاً من خسران الجماهير؟ الالتفاف حول العلماء والدعاة والمفكرين يقود الأمة إلى النجاح والتقدم وتحقيق قصب السبق في كل المجالات، إذ علماء الأمة ودعاتها ومفكروها كنز عظيم ينبغي معرفة قدره وعدم التفريط فيه. ومع كل ذلك فلا مانع من الشورى وتقديم النقد البناء والحوار الهادف الذي يقود إلى الحق. والمسلمون من أبعد الأمم عن تقديس الأشخاص! الجماهير... كانت محرك العمل، والآن أصبحت محرك التفكير؟ - العمل الإسلامي بشتى مجالاته له قادته ورواده الناضجون الواعون, والمراحل تختلف والحاجات تتفاوت, فما يحتاج إليه الناس قبل 20 سنة قد لا يحتاجون إليه الآن. وليس الشارع والجماهير هم الذين يقودون الأمة كيفما اتفق، ولكن للجماهير دورهم الذي لا يقلل منه العمل والاجتهاد في التطبيق. الديموقراطية والحرية معاً كفيلتان بإنجاح مقاصد الأمة؟ الالتزام بالدين الإسلامي وتطبيقه كما أراده الله تعالى في كل مجالات الحياة هو الضمان الأكيد لإنجاح الأمة الإسلامية وإنجاح كل من يدخل في دين الله تعالى ويطبقه تطبيقاً واقعياً في كل حركاته وسكناته، وقد تكفل الله تعالى باستخلاف المسلمين الصادقين على الأرض كلها. ولا يتعارض الأخذ بالوسائل الديموقراطية المناسبة مع الإسلام عامة. الشعوب الإسلامية عانت طويلاً من التهميش والوصاية؟ - الدول الإسلامية من أكثر الدول خيرات وخبرات, ومع ذلك فإن الحال في كثير منها محزن بسبب التسلط والقهر, علاوة على نهب الخيرات والتلاعب بالمدخرات، ولذلك فإننا نرى أن كثيراً من العلماء والمفكرين والدعاة إما أن يكونوا رهن السجن أو الإقامة الجبرية أو السفر خارج البلاد لتحقيق حياة إنسانية, وبقية الشعوب تقضي يومها في البحث عن لقمة العيش وتحصيل الفتات. ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ - خسر العالم أهم شيء وهو الإسلام, فمن لم تصله دعوة الإسلام فقد خسر الدنيا والآخرة والهداية والأخلاق النبوية والشمائل الإسلامية وخسر النجاة في الدنيا والآخرة. ومن فقد الله فماذا وجد؟ ومن وجد الله فماذا فقد؟! ولو سلمنا بانحطاط المسلمين فذلك لا يعني انحطاطهم كلهم، بل فيهم الكثير الذين يدعون ويحتسبون ذلك عند الله تعالى. ورحم الأمة الإسلامية رحم ولود لن تعقم عن إخراج الأفذاذ الذين يسطر التاريخ سيرهم بمداد من ذهب. الحماسة التي نريدها من شبابنا.. ما هي؟ وما معاييرها؟ - الحماسة الإسلامية مطلب أساس وركن لابد منه في دعم المسيرة التنموية المتكاملة للأمة المسلمة، ولكننا نريد شباباً متحمساً متزناً يجمع بين التدين والانفتاح، والحماسة والاتزان، والعاطفة والحزم، والشجاعة والتريث، مع الالتفاف حول علماء الأمة. شبابنا فقد الثقة في كل شيء وأصبح ينتظر المعجزة؟ - هذه نظرة سوداوية متشائمة! وعلى العكس من ذلك يوجد الكثير من شبابنا من يتقد حماسة ونشاطاً وعملاً، ولكننا نعترف بأن من المسلمين من ينتظر المعجزات! ونعترف بأن ثمة من يريد أن يحجر عليهم حتى هذه الأحلام! أخي: الناس في الشدائد يأملون في فرج يجيء من دون مقدمات! التريث والانتظار في التفاعل مع المستجدات أفقدنا قيادة الركب؟ لم يُفقدنا الركبَ فقط, بل أحرق أعصابنا وقتل جوانب الإبداع فينا! صحيح أن من طبيعة الإنسان الخوف من الخوض فيما لا يعرفه، وقد يكون في هذه الطبيعة شيء من الإيجابية إذا اقترنت بالتفكير الصائب وسبر الأمور بشكل صحيح حتى يتم التحقق من جدواها، أما العجز والتباطؤ فليس من ذلك في شيء وهو الذي يعوق المسيرة ويقود إلى المقولة المشهورة:"ليس في الإمكان أكثر مما كان"! التعددية مصطلح يرعبنا ويحجمنا عن التواصل مع الآخر؟ - اعتقاد صحة المنهج وسلامة الطريق لا يعوقنا عن التعاون مع الآخرين، في ما فيه فائدة ومصلحة معتبرة لأمتنا وأوطاننا، مع المحافظة على هويتنا الإسلامية وعقيدتنا الصحيحة... والكون كله - في التصور الإسلامي - قائم على التنوع والتعددية في الدين واللغة والعرق واللون... وقد تعامل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع اليهود والنصارى فضلاً عمن هم دونهم في البعد من الحق. الحفاظ على خصوصياتنا يفسد علينا الاستمتاع بالحضارة الحديثة؟ - بل لا بد للحضارة الحديثة من أن تستمتع بما عندنا نحن المسلمين من مبادئ سامية وأخلاق عظيمة. وإذا حُرمت الحضارة الحديثة ما عند المسلمين فقد حُرمت الخير كله! لا بد من عملية تجديد الإطار المرجعي لهذه الأمة من جديد؟ - أخاف أن هذا القول حق يراد به باطل! فكتاب الله - تعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - هما المرجعان لهذه الأمة في كل أمور حياتها, وفي كتاب الله - تعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - غنية عما سواهما. نعم، الأمة بحاجة إلى علماء ومفكرين وفقهاء واقع يستطيعون درس ما يستجد على الساحة الإسلامية وعلى الساحة العالمية، والخروج بمواقف صحيحة تنير الطريق وترسم المستقبل. وأنت تتأمل حالنا... هل تحس أن عقولنا قد توقفت أم أوقفت؟ - كلا الفعلين توقفت وأوقفت لا يحدد الفاعل! أخي، عقولنا الإسلامية ما فتئت تفكر وتخطط للرقي بالأمة الإسلامية، ومع ما يوجد من التضييق الذي لا حول لنا فيه ولا وقوة، فإنني أثق بعقول أبناء أمتنا وأعلم يقيناً أنها من أفضل العقول, ولكننا بحاجة إلى إتاحة مجالات أكثر ودعم أكبر. ولكنكم تستعجلون... لمن ترسلها؟ - أرسلها لكل متعجل يظن أنه قادر بنفسه على إحداث التغيير الآنيّ! وقد ورد في الحديث الصحيح عندما استعجل الصحابة - رضوان الله عليهم - النصر أن الرسول -صلى الله عليه وسلم - قال لهم :"كان الرجل قبلكم يؤخذ فيحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه فيشق باثنين ما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه, ولكنكم تستعجلون". وأنا هنا أقتدي بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وأرسلها لكل مسلم استعجل النصر واستعجل رفع ما بالأمة المسلمة من ضر, فإنّ تأخر النصر والعزة فبسبب أنفسنا وما كسبته أيدينا, وسنن الله ? تعالى - لا تحابي أحداً، والنصر مع الصبر، وإن ننصر الله - تعالى - ينصرنا. إن لم يكن ما تريد فتصالح مع ما يكون... هل هذا هو الحل؟ قال أحد الناس للإمام أحمد ناصحاً :"أجب السلطان إلى القول بخلق القرآن وستنتهي محنتك", قال له الإمام أحمد: إن كان هذا عقلك فقد استرحت". وأنا أقول لمن يعمل بهذه المقولة: إن كانت هذه عقولكم فقد استرحتم وأرحتم. وشتان بين أن نتعامل مع الواقع المفروض علينا ونعرف كيف نتصرف فيه ونستفيد منه مع الحنكة وعدم الاستعجال والسير بروية وبين أن نخضع لأي واقع لا يناسبنا. المرأة ما نصيبها من العمل الإسلامي؟ - نصيب كبير، لكنه غير كاف... فللمرأة دور كبير في العمل الإسلامي الحالي، إذ قامت الجمعيات النسوية في مجالات العمل الإسلامي المتعددة والحمد لله... وأغرب أمر أن بعض من يثيرون مشاركة المرأة يسعون إلى كبح الرجل خصوصاً إن كان...! المرأة تهمة... المرأة خطر... لماذا نخاف على المرأة أكثر من نفسها؟ - خطورة المرأة في استغلالها للشهوة والزيغ عن الحق، وانظر إلى بعض القنوات الفضائية كيف تجسد هذه الخطورة! نريد للمرأة المسلمة أن تأخذ نصيبها الشرعي الكامل الذي كتبه الله - تعالى - لها في كل شؤونها بعيداً من الدعايات المضللة والمطالبات المغرضة التي تفقد المرأة قيمتها. وقد تعلمت في الغرب وعشت فيه، وما زلت أنهل من حضارته. الإعلام الإسلامي... إسلامي ولكنه ليس إعلاماً؟ - الإعلام الإسلامي ليس بقوة العمل الإعلامي الآخر، ولكنني لا أتفق مع السؤال في أنه ليس إعلاماً, بل هو إعلام هادف، وفيه كوادر إعلامية جيدة، ولكن ما ينقصه هو الدعم الذي يتميز به الإعلام غير الإسلامي, وهو يفتقر أيضاً إلى الجو الحر الذي ينطلق فيه. دمج المجلات الإسلامية في مطبوعتين أو ثلاث أفضل من هذه الكثرة الطاغية؟ - الديموقراطية تعني التنوع, ويريد دعاة الديموقراطية - الذين يؤمنون بتنوع الأحزاب - حرمان المسلمين حتى من التنوع الصحافي! والتنوع يثري الساحة... فهذه المطبوعة ثقافية وأخرى اجتماعية وثالثة سياسية ورابعة اقتصادية، وهكذا، فلا تحجّروا ما وسّع الله! العمل الإسلامي: بدايات متقدة ما تلبث أن تكمن بعد حين؟ - العمل الإسلامي بدأ متقداً واستمر عبر السنين أكثر اتقاداً, وبحمد الله نرى يوماً بعد يوم استحداث مؤسسات إسلامية وأعمال إسلامية تثلج الصدر، مع وجود رصيد سابق من المؤسسات والأعمال التي اكتسبت خبرة عريقة وقدمت خدمات جليلة، ولكننا بحاجة إلى الدعم المادي والمعنوي. ما الذي ينقص العمل الإسلامي في حين يبرز في العمل التنصيري؟ - ينقصه الدعم المادي والمعنوي وفتح المجالات وتأمين الحماية، وينقصه في بعض الأحيان المتطوعون الجادون المحتسبون خصوصاً من الأماكن شديدة الحاجة التي تتصف بشظف العيش، وأنا هنا أُذكر إخواني بمقولة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين قال:"عجباً من جلد الفاجر وعجز الثقة"! جهودنا الدعوية تفتقر للمأسسة؟ - فعلاً نحن بحاجة إلى إيجاد المؤسسات التي توحد جهودنا، وتجمع شتات نشاطاتنا، وتستطيع مواجهة الحاجة الكبيرة الموجودة. وأنا أدعو الحكومات والشعوب الإسلامية للسعي إلى إيجاد مؤسسات دعوية وخيرية واعية، ودعمها بكل ما يمكن حتى تؤدي الدور المطلوب منها, مع عدم الاقتصار على العمل الحكومي الذي يسعى الأعداء إلى وأده على ضآلته! صرخة تشنف بها آذان الشباب؟ - لست ممن يحب الصراخ, بل أومن بالعمل الرزين, واستجابة لطلبكم أقول: أيها الشباب: أمتكم ترعى رسالة ربانية خالدة، وتحتل موقعاً وسطاً في الكون، ولديها أكثر من نصف احتياطي البترول العالمي، وأكثر من نصف سكانها شباب... فهل مع هذه الإمكانات تيأسون وتشعرون بالإحباط وتتأخرون؟! أيها الشباب: أنتم مستقبل الأمة وعدّتها، وأمتكم أشد ما تكون حاجة إليكم، والآمال معقودة عليكم، فأروا الله - تعالى - منكم ما يحب ويرضى، وثقوا بنصر الله.