تتهيأ دول الخليج ومنها المنطقة الشرقية لاستقبال ليلة المنتصف من شهر رمضان يوم 14 رمضان منذ بدايته، وإذا انتصف الشهر أو يكاد، يبدأ أطفال منطقة الخليج على مدى ليلتين متتاليتين 14 و15 من رمضان، في التجمع بعد الإفطار مباشرة، على شكل جماعات وأفواج، لكل منها قائد أو"كبير"للطواف على البيوت، حاملين حول أعناقهم أكياس القرقيعان، مرددين أناشيده الشعبية، وتتغنى البنات أمام بيوت الحي أو ما كان يسمى ب"الفريج"ويرددن قرقيعان وقرقيعان ... بيت قصير ورمضان ... عادت عليكم صيام ... كل سنة وكل عام ... سلم ولدهم يا الله... وخله لأمه يا الله... عسى البقعة ما تخمه... عطونا الله يعطيكم... بيت مكة يوديكم. أما الصبية والأولاد فتقتصر أهازيجهم على مقطع، يرددونه بطلب نصيبهم من"المخلط"أو القرقيعان سلم ولدهم يا الله.. خله لأمه يا الله.. يجيب المكده بالله. والقرقيعان عبارة عن سلة كبيرة مصنوعة من سعف النخيل يوضع في داخلها خليط من المكسرات إلى جانب بعض الحلويات، وتعود تسمية القرقيعان إلى كلمة"قرقيعان"، ومعناها الصحيح لغويّاً"قرة العين في هذا الشهر". فالقرة هي ابتداء الشيء، وبمرور الزمان تحورت الكلمة، وصارت تُنطق"قرقيعان". ويردد البعض أن"قرقيعان"مستمدة من قرقعة الصوت الذي كان يحدثه الأطفال عند النداء على أصحاب البيوت أو القرع على أبواب المنازل طلباً لهذا القرقيعان أو المخلط الذي يتكون عادة من النقل والفول السوداني، والحمص، والبذور، أو الحب، والتين، والقناطي، والجوز، والبندق، والملبس وبعض الحلوى الأخرى المتاحة والنقود أحياناً. ومن المميز للعب الأطفال في هذه المناسبة مرورهم على البيوت لتجميع المكسرات والحلوى من أهل الدار، فإذا تباطأوا صاح الأطفال"يسوق الحمار أو ما يسوق"إشارة إلى بداية رحيل الموكب الذي يضم عشرات الأطفال، ثم يرددون"عساكم تعودونه كل سنة وتصومونه". والقرقيعان من العادات الرمضانية الشعبية في المجتمع الخليجي، وكانت من أهم المناسبات عند الأطفال وانتقلت إلى الكبار في السنوات الأخيرة، وأصبحت مضماراً للمباهاة بين الأسر، وتتجاوز كلفتها في كثير من الأحيان الآلاف، وعلى رغم أن هذه العادة الشعبية المتوارثة لدى أهالي المنطقة الشرقية وعدد من دول الخليج تحافظ على وجودها لكنها تتأثر بالتغييرات الاجتماعية، ففي هذه الأيام يحمل الأطفال أكياساً وعلباً مزركشة عليها صور محببة لشخصيات كرتونية، وتقوم بعض الأسر بابتكار علب تغليف جميلة وأكياس تحمل عبارات التهنئة بهذه المناسبة مثل"عساكم من عواده"، كما تغيرت أنواع المكسرات والحلويات والسكاكر عما مضى، وبات الأطفال يحظون بالألعاب والدمى، إضافة إلى أفخر أنواع الشيكولاته والحلويات والمكسرات غالية الثمن، التي تحمل أحياناً أسماء وعلامات تجارية محلية وعالمية معروفة. وكانت تلك العادة في القديم بسيطة المظهر، ولا تكلف شيئًا يُذكر، الآن بات ينفق لأجلها الكثير، ومهما كلفت من مال فإن المجتمعات الخليجية تحرص على بقاء عادة"القرقيعان"باعتبارها عادة خليجية متوارثة . كما تختلف مسميات هذه الليلة، إذ يسميها معظم الناس القرقيعان والبعض الآخر كما في القطيف والأحساء"الناصفة"أو"حلّ وعاد"او"كريكشون"إلا أن العادات المتبعة في الاحتفاء بها تتشابه في مختلف الدول. لكن صمود هذه العادة الشعبية مع مرور الزمن يؤكد على تأصلها في نفوس أهالي المنطقة، بل على تمسكهم بها إذا ما قورنت الاحتفالية في هذه الأيام بما كان يجري في الماضي.