شهدت سوق العقارات في السعودية خلال السنوات القليلة الماضية دخول عدد كبير من المستثمرات السعوديات في هذا القطاع، وضخت مبالغ مالية كبيرة ساهمت بشكل كبير في تملك جزء من هذه السوق، قدره عدد كبير من الاقتصاديين بنحو 30 في المئة من حجم السوق. وحيث إن هذا القطاع يعتبر أكثر القطاعات الاستثمارية استقراراً وضماناً لمن لديهم استثمارات محدودة، فإن كثيراً من النساء السعوديات أثبتن كفاءتهن في التعامل مع هذه السوق، ورسمن لهن خريطة استثمارية ناجحة، من المتوقع أن تشهد خلال السنوات المقبلة زيادة في أعدادهن وضخ سيولة مالية مرتفعة، تستطيع بها تلك السيدات أن يزدن من نسبة تملكهن لكثير من المشاريع العقارية المختلفة. وعلى الرغم من وجود بعض العوائق التي تعاني منها المستثمرات العقاريات إلا أن كثيراً من الشركات العقارية فتحت فروعاً نسوية يتم من خلالها استقطاب الكثير من المستثمرات، وكثير ممن يمتلكن أرصدة مالية في البنوك، خصوصاً وأن التقديرات الاقتصادية ذكرت أن المستثمرات السعوديات بلغ حجم أموالهن المودعة في المصارف أكثر من 70 بليون ريال. وللاطلاع على توجه وخطط اولئك المستثمرات قامت جريدة"الحياة"باستطلاع آرائهن عن ذلك القطاع ومدى نجاحهن فيه من خلال الآراء التالية: قالت مديرة مركز السيدات في مجموعة صالح الدريبي للتطوير والاستثمار العقاري أماني الجريفاني:"إن نسبة تملك السيدات للعقار في المملكة تتراوح بين 25 في المئة و30 في المئة، وذلك بناء على الدراسات التي قامت بها المكاتب العقارية في الرياض، وترجع هذه النسبة إلى عدم توافر مجال الاستثمار الذي يناسب العنصر النسائي، مع العلم أنه في تزايد خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً وأن للمرأة دوراً كبيراً في اختيار السكن مما يؤكد دورها في المشاركة في المشاريع الاستثمارية". وأشارت الى أنه من خلال تجربتها في المجال العقاري والاستثماري في الشركة، فقد لمست أن العنصر النسوي أكثر حرصاً على تسديد الأقساط العقارية المترتبة عليها بانتظام، خصوصاً صاحبات الدخل الثابت كالراتب وغيره. وأرجعت الجريفاني عدم قدرة المرأة على تحصيل الإيجارات من العقارات المستثمرة، إلى عدم ادارتها للاستثمار الذي تملكه بنفسها، واعتمادها على وكيلها الشرعي، مما يبعدها شيئاً ما عن هذا المجال، وكذلك ضرورة وجود طرف ثالث معها للتحصيل، مع تساهلها وطيبة طبيعتها. وأكدت أن الاستثمار في العقار هو الاستثمار المضمون، وهو لجميع فئات المجتمع ولمن لديهم رأس مال محدود، والسيدات أصبحن الآن ينافسن الرجال في هذا المجال، ومن خلال ذلك فان افتتاح فروع نسوية في المكاتب العقارية ضرورة ملحة، حيث تتمتع السيدة بخصوصيتها في بيئة عمل نسائية تستطيع من خلالها الاطلاع والاستفسار عن العروض والدراسات ومناقشتها. وأوضحت أن ظهور المشاريع والمجمعات السكنية للسيدات شيء لا بد منه في الوقت الحاضر، وهو المجال المتاح لعمل المرأة في الاستثمار النسوي، وكذلك الاستثمارات المخصصة للنساء في المراكز التجارية المفتوحة، حيث يشهد نمواً وازدياداً ومواكبة للأسواق العالمية. وأكدت الجريفاني أن السيدات رسمن لهن موقعاً على الخريطة الاستثمارية في القطاع العقاري، وذلك بحسب اطلاعهن على ذلك النشاط، حيث دخلت السيدة السعودية عالم العقار بكل اقتدار، بل استطاعت استثمار رؤوس أموالها المجمدة، التي من حقها أن تسهم في الثروة العقارية في المملكة. وتقول السيدة أسماء علي السويلمي مديرة الفرع النسوي في شركة فهد اليحيى:"إن سيدات الأعمال السعوديات وضعن بصمة واضحة على خريطة الاستثمار العقاري، ولكن لا تزال هذه البصمة محدودة لا تتجاوز 20 في المئة تقريباً من حجم الاستثمار العقاري، ولكن خلال السنوات القليلة المقبلة، ستحقق المرأة السعودية خطوات واسعة ولا سيما في الجانب العقاري، ويتوقع أن تسبق في ذلك قريناتها من الدول العربية والدول النامية الأخرى، إضافة إلى تفاديها الوقوع ضحية للتخبطات والتناقضات التي واجهتها المرأة في الغرب". وأشارت إلى أنه من المتوقع للمشاريع والمجمعات التجارية والسكنية التابعة للسيدات بصفة عامة النمو، خصوصاً في ظل تزايد أعداد السكان ما يتطلب ايجاد وحدات سكنية جديدة تفي بالحاجة، وينشأ عنها حاجة استهلاكية شديدة تقتضي توفير المجمعات التجارية الخاصة بجميع أنواع السلع التي تلبي حاجة المستهلك، خصوصاً وأن المرأة بطبيعتها تتميز بعمق التفكير والقدرة على الإبداع وتوليد الأفكار، ومن هذا المنطلق أدعو المرأة إلى العمل وخلق مشاريع استثمارية قائمة على دراسات وأسس استراتيجية تفي بالجديد من المتطلبات المعاصرة، وأن تؤمن كل سيدة أن المشاريع الصغيرة ستكبر وتفتح آفاقاً جديدة من الأفكار البناءة. وأكدت السويلمي أنه ليست كل سيدات الأعمال والعقاريات السعوديات حصلن على نصيبهن من معارض العقار ووظائف التسويق، بل إن كثيراً منهن يتطلعن إلى العمل في هذا المجال على الرغم من عدم حصولهن على ذلك، إضافة إلى أن من حصلن على هذه الفرص كثير منهن على الهامش ولا يستطعن القيام بوظائفهن على الشكل المطلوب، ولم يهيأ لهن الجو المناسب لهذا العمل، بل ان حقوق أغلب مسوقات العقار تضيع ولا يحق لهن المطالبة بها لأنه لا يوجد جهة تحفظ حقوق المسوق. أما المكاتب العقارية فيجب على المرأة العقارية المطالبة بإصدار تراخيص لإنشاء مكاتب عقارية خاصة، لأن ذلك سوف ينعش القطاع العقاري، ويوسع مجاله، ويدفع عجلة النمو الاقتصادي في هذا النوع من الاستثمار، ويوسع آفاقه، ويسهم في تلبية احتياجات المرأة لإنجاز مهامها، ويغنيها عن الاعتماد على الوكلاء أو المحامين الذين يجنون من ورائها الأموال الطائلة، مشيرة إلى أن من مميزات المكاتب العقارية النسائية فتح آفاق جديدة لعمل المرأة السعودية، وإيجاد فرص عمل للكوادر النسائية المبدعة، وأكدت أن هذه المكاتب لا تؤثر على النساء المسلمات بل هي زيادة في الخير والعمل البناء في إطار الشريعة الإسلامية. وصنفت السويلمي المستثمرات العقاريات إلى صنفين: الأول سيدات يفضلن استثمار أموالهن في تملك العقارات، وهذه الفكرة عائدها المالي قليل ومحدود ومنظم، والثاني سيدات يفضلن استثمار أموالهن في مساهمات عقارية وتتميز هذه الفكرة بالعائد المالي الكثير، وذلك من خلال وضع المستثمرة مبلغاً مالياً مع إحدى الشركات العقارية، وبعد فترة محددة يعود رأس المال مع الأرباح، وبذلك فإن نسبة السيدات المستثمرات في العقار عموماً لا تتجاوز 25 في المئة من الرجال المستثمرين، أما نسبة السيدات المالكات للعقار فإنهن أكثر من السيدات المساهمات في المجالات العقارية، أي ما يعادل 60 في المئة من المالكات للعقار ونحو 40 في المئة من المساهمات. وأوضحت أن اتجاه السيدات إلى تملك العقار يعود لأسباب عدة، منها تنظيم الدخل مع بقاء رأس المال، حيث يبقى رأس المال ثابتاً ومحفوظاً عندما تمتلك السيدة محلات تجارية وعمائر وبيوتاً وشققاً، تضمن من خلالها عائداً سنوياً إضافة إلى الأراضي التي تعمل على بيعها بعد فترة من الزمن، كذلك يعتبر تملك العقار عند السيدات هو الاستثمار الوحيد الآمن والمريح للمرأة، مقارنة بالاستثمارات الأخرى، خصوصاً وأن إمكانات المرأة محدودة في مجتمعنا. وترى المستثمرة العقارية ابتسام حسين أن نحو 20 في المئة من السيدات السعوديات يستثمرن أموالهن في العقار، مشيرة إلى أن الكثير من الشركات العقارية تقوم بإدارة أملاك المستثمرين والمستثمرات في المساهمات والأراضي وغيرها من المحلات والمراكز التجارية. وأكدت أن عدم الحصول على التراخيص وصعوبة ذلك ساهم في الحد من فتح مكاتب عقارية للنساء لإدارة أملاكهن بشكل مباشر، مما جعل حجم الاستثمار في هذا الجانب محدوداً ومقتصراً على الرجال. وتوقعت الحسين أن تتطور استثمارات النساء في المجمعات السكنية والمحلات التجارية وتنمو بشكل كبير، نظراً إلى حاجة البلد إلى ذلك ووجود سيولة كبيرة تمتلكها كثير من العقاريات، إضافة إلى عدم وجود قنوات أخرى للاستثمارات النسائية. ولفتت إلى ظهور كثير من المجمعات والمراكز التجارية التي تمتلكها سيدات، على رغم عدم معرفة الكثير أن تلك الاستثمارات تمتلكها سيدات أعمال عقاريات. وطالبت الحسين بضرورة توفير أماكن لمزاولة أعمال العقار بطرق رسمية، مع مراعاة العادات والتقاليد التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية. أما المستثمرة سميرة بنت سعد السعيد فقالت:"أن الكثير من المستثمرات السعوديات لم يحصلن على نصيبهن من المجالات العقارية، وعلى رغم وجود شريحة معينة من المستثمرات بدأت تنمو في القطاع العقاري، بسبب عيشهن في بيئة عقارية مما أدى إلى إتاحة الفرصة فقط لهذه الشريحة". وأكدت صعوبة تحديد نسبة سيدات العقار من إجمالي المستثمرين في هذا القطاع، خصوصاً أن كثيراً من المستثمرات يكنّ غالباً شريكات في عقار مشاع بين الإخوة، وهذا أكثر شيء في المملكة، ولذلك فإن التقدير أو التوقع سيكون عائماً وغير واضح. وترى المستثمرة نورة الخريجي أن الكثير من المستثمرات السعوديات في قطاع العقار أصبح لهن أثر واضح في هذا القطاع، على رغم محدودية هذا الأثر الذي يتوقع ألا يتجاوز 10 في المئة من الرجال. وتوقعت أن تشهد المجمعات السكنية التي تملكها عقاريات نمواً كبيراً لأنها مشاريع تخدم الوطن وتنعش الاستثمار، مشيرة إلى أن العقاريات السعوديات يستطعن الحصول على حصتهن في المكاتب العقارية من خلال موقعهن على الخريطة الاستثمارية في قطاع العقار، حيث إنه كلما كان لهن ساعد قوي في العقار حصلن على أهدافهن من المناصب العقارية، وأصبح لهن صلاحيات في هذا القطاع، خصوصاً إذا وجدت مثل هذه المكاتب مما يجعل عملهن بعيداً عن الاختلاط ويوفر عليهن تكاليف الوسطاء. وقالت المستثمرة العقارية مشاعل بنت عبد الله بن سعيدان مديرة القسم النسائي في شركة عبد الله محمد بن سعيدان وأولاده العقارية:"إنه لا توجد تقديرات واضحة عن حجم المستثمرات العقاريات في السوق السعودي، ولكن من خلال خبرتي في سوق العقار في الرياض أقدرها بنحو 30 في المئة من إجمالي التعامل العقاري". وأكدت أن النشاط النسائي للشركات العقارية لا يزال جهوداً فردية تحتاج إلى مزيد من التنظيم، لأن هناك شريحة كبيرة من السيدات يحتجن إلى الخصوصية في اتخاذ قرار الشراء أو الاستثمار أو البيع في أي مشروع عقاري، من خلال شركات نسائية متخصصة في هذا الشأن. وأشارت إلى أن المجمعات السكنية أخذت بالتطور الحاصل في المجتمعات المتقدمة، من حيث عرض البضائع الجديدة التي تتناسب مع مجتمعنا، حيث يمكن أن يكتب لها النجاح. وذكرت أن التجمع النسائي وسط الخريطة الاستثمارية بدأت تتضح معالمه، خصوصاً في مدينة جدة ثم الرياض، وهذا يعود إلى التسهيلات التي اتجهت الدولة لمنحها للمستثمرة السعودية، وتبسيط تعاملاتها مع الجهات الحكومية.