صراخ شديد وألم أشد، وما إن نسمع صوت البكاء حتى نعرف أن الطفل وُلد. تحمله أمه أو تطلب حمله، تحديداً إذا كان الفيلم رومانسياً أو أن الأم تؤدي دور البطولة أو زوجة البطل... سيبتسم الطفل وستأخذه الأم إلى أحضانها بحنان يكفي العالم بأسره، حسب رؤية المخرج! لا حاجة إلى ترسيخ آلام الولادة في جيل فتيات لم يتزوجن بعد، فكثير من الأفلام العربية وقليل من الأجنبية تبعث الخوف من المولود الأول في قلوب معظم الفتيات، وتحديداً إذا كانت الولادة ستكون الأولى. وقد نضيف مشهداً إضافياً إذا كان الفيلم عربياً، جدّة المولود الجديد واقفة خارج غرفة العمليات تقول لأبيه: "أنت المسؤول لو حصل لابنتي مكروه"! صديقتي المقربة إلي، أنجبت وهي تبلغ من العمر 17 عاماً. ولأنني لم أتزوج بعد، سألتها، فقالت أنها كانت خائفة وتبكي وتطلب من أمها الدعاء لها. بعد ساعة ونصف الساعة ولدت طفلة جميلة، فرحت كثيرا، وهاهما يخرجان من المستشفى ثلاثة بعد أن دخلا إليها اثنان. صديقتي أصبحتْ تنام معظم أيامها خارج غرفتها حتى لا ينزعج زوجها بصراخ المولود، إذ يستيقظ الزوج باكرا ولا يعود إلا في وقت متأخر. هي تسهر وتتعب وتتألم، وكلما صاح الصغير وبكى هرولت إلى الهاتف لتسأل أمها عن سبب البكاء. زوجها لم يراع أنه سبب في اعدام حرية طفلة مراهقة، ربما لا تزال "قاصرا"، ولا تعرف كيف تتولى مسؤولية نفسها. تبدو كأعزل يخوض غمار الحرب. حين تتأمل طفلتها الجميلة وتحدق بها، تمر خريطة الذكريات، فتكون دميتها هي الأهم. كانت لا تفارق حضنها، هادئة، بسيطة، لا تطلب حليباً وحفاضا وغياراً، لا تمرض، وإذا بكت فمفتاح الإقفال أو إخراج البطاريات يحل كل المشكلة. الأهم من ذلك كله في نظرها أن دميتها لا تحتاج إلى غريزة الأمومة. صديقتي كانت مجتهدة في دراستها، على الأقل كانت تشرح لي ما يستعصي علي فهمه، وتحصل على درجات أعلى مني بكثير. هي لم تكمل تعليمها، لأن زوجها انتقل إلى جدة، والأمر بدا صعباً مع طفلتها. كانت تحلم دائماً أن تكون أستاذة علم نفس أو اجتماع في جامعة سعودية، حتى تربي أجيالاً. وربما يكون حالها يشبه مَشَاهِد المسلسلات الخليجية كثيراً حين تقول وهي تدمع: "سامح الله والديّ. قطعا علي المشوار في بدايته، خوفاً من أن يفوتني قطار الزواج، خصوصاً مع غياب الخطّاب".