تحولت الولادة القيصرية من عملية إجبارية تبررها الحالة الصحية للمريضة إلى اختيارية تقررها المرأة الحامل لنفسها مع بداية الحمل، أو حتى قبل الحمل، فأصبحت هذه الولادات هي الخيار المفضل للأمهات الجدد اللاتي أصبحت حالة الولادة لديهن مزاجية تعتمد على «الموضة» في الولادات، ما يعرضهن لخطر التوقف عن الحمل والعقم الإجباري لصعوبة الولادة في حال حصول أي مضاعفات. فمن موضة الولادة في المنزل إلى تلك المريحة، أي «القيصرية» وهو ما ينفيه كثير من النساء اللاتي اخترن هذه الولادة، أو قررها الطبيب لهن، فيما تساعد كثير من المستشفيات الخاصة النساء الحوامل على اختيار هذه الولادة، إما بتجاهل الطبيبة توضيح مخاطرها للمريضة، أو بتشجيعها عليها لأسباب طبية، حتى أصبح كثير من هذه المستشفيات معروفا لمن يبحث عن هذه الولادة. خيار مناسب فاطمة عبدالله اختارت الولادة القيصرية، ليس لاقتناعها بها تماما، بل لأنها تجربة لعدد من صديقاتها: «منذ بداية حملي وأنا أفكر في لحظة الولادة، وأشعر بالخوف والقلق، وبما أن أغلب صديقاتي اخترن هذه الولادة لتجنب الخوف، فقد قررت أن أجربها، وتناقشت مع زوجي في الموضوع، إلا أنه رفض في البداية، فقررت أن أسأل الدكتورة واتفقت معها أن تجري لي عملية قيصرية، ولكنها رفضت أن تخبر زوجي بأنها حاجة طبية لي، خوفا من أن تتحمل مسؤولية هذا الخيار، ولكنه شبه مقتنع الآن، ومن ناحيتي هيأت نفسي وتأقلمت على أن تكون ولادة قيصرية». فاطمة متحمسة الآن لإجراء العملية: «ما يشجعني عليها أني سأكون مخدرة ولن أشعر بالألم وقت الولادة، ولن أنتظر فترة طويلة حتى تأتيني أعراض الولادة، فالطبيبة تقرر موعد الولادة القيصرية منذ دخول الحامل شهرها التاسع من دون انتظار أعراض الولادة»، وعن ما بعد الولادة تتابع: «بالطبع أشعر بالقلق من مرحلة ما بعد الولادة، خصوصا أنها عملية حقيقية تم فيها فتح البطن وخياطته، وتحتاج إلى راحة ورعاية مكثفة، ولكني هيأت نفسي لذلك، وكذلك مكان الراحة بعد الولادة سيكون مناسبا لحالتي الصحية توأم وراحة ومثلها سامية محمد، التي اختارت أن تلد قيصريا، وهو قرار اتخذته منذ أيام زواجها الأولى، حيث قررت مع زوجها أن تلد بهذا النوع من العمليات: «الولادة الطبيعية كابوس لدى الكثيرات، وهو ما جعلني آخذ فكرة سيئة عن الولادة، حتى أني كنت قبل زواجي أقول: حتى إن تزوجت فلن أنجب، خوفا من عملية الولادة، ولكن بعد أن تزوجت قررت اختيار الولادة القيصرية كحل وسط، فاتفقت مع زوجي أن تكون أسرتنا من طفلين فقط، لأن الولادات القيصرية لا تسمح بتعدد الولادات، وقد وافقني على هذا الخيار، وكنت أتمنى أن أحمل بتوأم حتى أني ذهبت للدكتورة لتعطيني إبرا منشطة قد تساعد على إنجاب توأم، ولكن ذلك لم ينجح معي وحملت بجنين واحد فقط، وحينها صارحت الطبيبة بأني أرغب في الولادة القيصرية، فأخبرتني بأنها لا تجري هذا النوع من الولادات، وحولتني لطبيبة أخرى تفاعلت معي وذكرت لي عددا من الحالات التي تأتي لها لتطلب الولادة القيصرية»، وتضيف: «المستشفيات الحكومية لا تشجع مثل هذا النوع من الولادات، بل لا تقوم به إلا للضرورة القصوى، ما جعلني منذ البداية لا أضعها كخيار بالنسبة إلي، وقد قررت أن ألد في أحد المستشفيات القريبة مني، وأتابع حملي فيها، ووافقت الطبيبة أن تجري لي عملية الولادة القيصرية، ما دامت لا تتعارض مع وضعي الصحي». ولم يفت على سامية أن تفكر في مرحلة ما بعد الولادة: «ستكون فترة بسيطة لمدة أسبوع أو أقل، سأقضيها في المستشفى حتى يسمح وضعي الصحي بالخروج، وقد تعرفت على كل مخاطر العملية القيصرية، والأمور التي يجب أن أتبعها بعد خضوعي لها، فالحركة شبه ممنوعة لفترة معينة، وكذلك الحمل يجب أن يكون بعد ثلاثة أعوام من الولادة الأولى، وقد اتفقت مع زوجي على ذلك، ووجد أن هذا الترتيب مناسب لوضعنا، حيث إن زوجي لا يزال طالبا يدرس في كلية الطب ولديه خبرة علمية في هذا النوع من الخيارات، وساعدني كثيرا على الاختيار». ندم على القيصرية أما باسمة علي التي قررت هي الأخرى هذا النوع من الولادة، فقد ندمت عليه: «قررت بين ليلة وضحاها أن ألد قيصريا حتى لا أمر بمراحل الولادة الطبيعية المرهقة والمتعبة نفسيا وجسديا، وكنت خائفة منها، فقررت هذه الولادة واضطررت إلى أن أغير الطبيبة التي كنت أتابع حملي لديها، وأصبحت أتابع حملي لدى طبيب استشاري وأخبرته بقراري، فوافق على إجراء العملية لي، وبالفعل أجرى لي العملية في الموعد المحدد الذي حدده لي، وحين استيقظت من العملية كنت أشعر بآلام مبرحة جعلتني غير قادرة حتى على الحركة، رغم إصرار الطاقم الطبي أن أتحرك بعد العملية، ولكني كنت عاجزة عن ذلك، فأخذت مسكنات إلا أن الآلام لم تتغير، وبعد فحص العملية تبين أن الطبيب حين قطب الجرح ضغط على الخياطة فسببت لي هذه الآلام، وبعد أن فتحوا الخياطة من جديد وعدلوها بقي الألم ولكن بشكل أخف، حيث أصيب الجرح بالتهاب شديد فاضطررت إلى البقاء في المستشفى أكثر من عشرة أيام لتلقي الأدوية والعلاجات تحت مراقبة الطبيب، ولم أر طفلي طوال تلك الفترة، حيث إن وضعي الصحي لم يكن يسمح لي بأن آخذه في حضني». هذه النتيجة المؤلمة أشعرتها بالأسف على قرارها واختيارها: «بعد كل هذه المعاناة والألم شعرت بالأسف لهذا الخيار الذي تورطت به، حيث إني سأكون مضطرة إلى الولادة القيصرية في جميع ولاداتي الأخرى، ومضطرة إلى تحديد عدد ولاداتي بما يقرره الطبيب لي، وهذا الشيء أزعج زوجي وأغضبه مني لأني حين قررت أن ألد ولادتي الأولى قيصريا لم أتناقش معه في الموضوع بشكل مطول ولم أطلعه على الأخطار والمحذورات التي يجب علي تجنبها، فأتمنى لو أني لم أتخذ هذا الخيار الذي أفسد حياتي العائلية وصحتي». خيار للطبيب وليس المريض الدكتورة أمل طنطاوي طبيبة النساء والولادة ترى أن «الولادة القيصرية ليست بالخيار المتاح للمريضة، ولكنها خيار للطبيب يقرره لأسباب طبية تستدعي مثل هذا النوع من التدخل الجراحي، ولا يجوز طبيا إخضاع المريضة لولادة قيصرية بينما لديها المقدرة على الولادة الطبيعية كأي امرأة أخرى»، مضيفة أن «الولادات القيصرية هي لحالات مرضية تستدعي هذا التدخل وعددها كبير جدا في المستشفيات»، مشيرة إلى أن اثنتين أو ثلاثا من بين عشر مراجعات لديها يكون لديهن سبب لإجراء عملية قيصرية، إلا أنها تكون في بعض الأحيان بشكل غير أكيد، وإنما توقع، إن لم يتغير وضع المريضة منذ تقرير الطبيب للولادة القيصرية وحتى وقت الولادة، مضيفة أن «بعض المريضات اللاتي تقرر لهن ولادة قيصرية يفضلن مراجعة أطباء آخرين لأخذ آرائهم في قرار الولادة القيصرية وإمكانية تجنبها، لرفضهم لهذا النوع من الولادة، بينما تأتي نساء أخريات يقررن لأنفسهن هذا النوع من الولادة ويحاولن فرضه على الطبيب المعالج الذي قد يستجيب لهن في بعض الأحيان، وهو بالتأكيد ليس بالخيار الطبيعي ولا الصحي لهن، لا من الناحية الجسدية ولا النفسية، فالشفاء من الولادة القيصرية طويل ويرهق المريضة التي هي غالبا أم للمرة الأولى، وتحتاج إلى التأقلم مع مولودها لا الانشغال بتطبيب نفسها لشهر أو أكثر». وتنصح طنطاوي الأمهات الجدد بالتخطيط لمستقبلهن بشكل متزن، والثقة بمقدرتهن الطبيعية التي وهبها الله لهن بالمقدرة على الولادة الطبيعية والشفاء منها بشكل سريع دون اللجوء للولادة السريعة التي لا تشفى منها المرأة لأعوام، وتخلف آثارا صحية قد تكون خطيرة. أمهات غير ناضجات الاختصاصية النفسية زكية الحسين ترى أن «الأم التي تختار لنفسها ولادة قيصرية هربا من ألم الولادة الطبيعية، غير ناضجة بشكل كاف لتكون أما، أو أن لديها خلفية ثقافية خاطئة عن عملية الولادة اكتسبتها من معارفها أو من خلال اطلاعها على الموضوعات في الإنترنت التي يتم تضخيم كثير منها بشكل يبدو مرعبا»، مضيفة أن «المرأة الناضجة من الناحية الجسدية والنفسية قادرة على تقبل حالة الولادة كحالة طبيعية تمر بها المرأة، وقادرة على تحمل آلامها كآلام حتمية تتعرض لها منذ بدء الخليقة، وهي آلام طبيعية لا مرضية تستدعيها عملية الولادة وتمر سريعا»، مشيرة إلى أن «كثيرا من الفتيات المتزوجات حديثا والمقبلات على الزواج يحتجن إلى تأهيل نفسي وثقافي للدخول لمرحلة الزوجية والأمومة»، مطالبة بإيجاد برنامج توعوي لجميع المقبلات على الزواج يوضح لهن كثيرا من الأمور التي تخفى عنهن عن الزواج والإنجاب والأمومة .