لا تقتصر العلاقة بين حسين وفاطمة على أنهما شقيقان، بل هناك رابط آخر بينهما. فهو يرى بأذنها، وهي تبصر بعينيه. أبصر حسين عبدالوهاب الحمد 25 عاماً النور أصم، وفي ما بعد فقد قدرة النطق. لكنه تحدى الإعاقة، ودخل معهد"الأمل للصم والبكم"في محافظة الأحساء قبل سبعة أعوام، وتخرج فيه قبل نحو أربعة أعوام، بمعدل 88 في المئة، وحصل على شهادة فنية في تخصص الحاسب الآلي. في هذه الفترة بدأ حسين يحلم بالحصول على وظيفة،"كنت أخطط لبناء منزل سعيد، فهرعت أطرق أبواب الشركات والمؤسسات، حتى المستشفيات باحثاً عن وظيفة، لكنني وجدت الأبواب موصدة أمامي وعبارات الرفض تنهال عليّ من كل جهة، فالكل يردد"نحن لا نقبل الصم"، يقولها حسين بحرارة وألم. لكن والده لم ييأس، وكتب خطاباً إلى وزير العمل الدكتور غازي القصيبي، يشرح فيه حال وضع ابنه، وما آل إليه وضعه. ومن خلال هذا الخطاب حُوًّل حسين إلى مكتب العمل في محافظة الأحساء، الذي وجهه بدوره إلى أحد المستشفيات الخاصة، لكنه أيضاً تلقى صفعة جديدة بالعبارة نفسها التي ملّ من تكرار سماعها"لا وظائف شاغرة لدينا"، فانكسر آخر أمل في نفسه. بعد كل هذه المعوقات نذر حسين نفسه للعزلة والانكفاء داخل منزله المستأجر الذي تتقاسمه عائلته المكونة من عشرة أفراد، أخ واحد وسبع أخوات،"ينهش"الفقر أجسادهم، بعدما اضطر الأب إلى بيع المنزل السابق ليواجه حالاً مادية"سيئة"بسبب تراكم الديون عليه. لم يكن الفقر وحال حسين آخر المطاف أمام هذه العائلة، بل أصيبت ب"مصيبة"أخرى بمرض إحدى البنات"فاطمة"17 عاماً منذ أن كانت طفلة. فقد غابت فرحتها وحل محلها"كابوس محزن"، حين فقدت القدرة على الإبصار وغرقت العائلة في دوامة أخرى من الضياع. لكن فاطمة، كأخيها، لم تستسلم للإعاقة، بل واجهتها، بالدخول في"معهد النور"، وتميزت في دراستها، وحصلت على جائزة الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي في مرحلتين متتاليتين الابتدائية والمتوسطة، وكانت تحلم بأن تجعلها ثلاثية، بالحصول على الجائزة ذاتها في المرحلة الثانوية. لكن الأمل توقف، لأنها عجزت عن الذهاب إلى المعهد في آخر سنة دراسية، بسبب إصابتها بالتهاب حاد، أقعدها في البيت. وفي البيت تتقاسم فاطمة وحسين الساعات، فهي تترجم ما يقوله لها بلغة الإشارة، وهو يكتب لها بلغة"برايل"ما يراه، لذلك هما لا يفترقان، وكأنهما إنسان واحد في جسدين، وكل واحد يبث شكواه الى الآخر، وينتظران أن يزور الأمل بيتهما بالصدفة،"ولو مرة واحدة"، كما أشارت بذلك فاطمة. وبسبب رؤية أم حسين حال فلذتي كبدها أصيبت بمرض القلب. فهي ترى أن من حق ولدها أن يكون كغيره، فهو شاب لا ينقصه أي شيء، بل يتفوق على أقرانه، فلماذا يحرم من الوظيفة؟ وهذا ما يؤكده الأب أيضاً وهو يردد"كافح ولدي واجتهد، ولم يبق مكان إلا وذهب إليه، ليجد رزقه فيه، ولكن من دون جدوى". حسين الذي عجز عن الكلام كتب"أنا لا أريد سوى وظيفة بسيطة، أسعد بها والدي، وأحمل عنه بعض العبء، لا أريد شيئاً لي، ولا أحلم بشيء أكبر من قدراتي، فأنا أعرف أنني مبدع، ولكن الشركات والمؤسسات يريدونني أن أتحدث الإنكليزية، ومعدلي الدراسي ممتاز، وأن تحدث"معجزة"أسمع بها وأنطق، حتى أحقق حلمي".