"شتان ما بين رؤية الاحياء و دفن الأموات"، وشتان ما بين المشاهد الإيمانية الروحانية في المشاعر المقدسة و مشاهد القتل والعمليات الانتحارية في الفلوجة. "الحياة" التقت رجلاً ذا ملامح سبعينية، بدت على وجهه علامات الحيوية والمرح، بل كان المطلوب الأكثر بين مرافقيه في الوحدة 107 داخل مساكن بعثة حجاج العراق، التي تضم نفراً من أهل الفلوجة. أوضح منذ البداية ان مهنته مواراة الأجساد الممزقة والأشلاء تحت التراب، ذلك هو الشيخ سمير خيري الرفاعي حانوتي مقبرة الشهداء في الفلوجة، الذي قدم إلى الحج بعد 10 أيام من دفنه لآخر ابناء المدينة، ويقول إنه "وارى 1750 جسداً تحت التراب". ويحاول الرفاعي بصحبة نحو 30 ألف حاج قدموا من العراق وسط ظروف أمنية ملتهبة، الخروج من ألم الحديث عن المآسي اليومية التي تشهدها بلاد الرافدين، وأن تدور أحاديثهم البينية تجاه قضايا ومسائل دنيوية ودينية، تتعلق بالحج، في محاولة يائسة لنسيان مشاهد الموت في الفلوجة. وتحدث الشيخ سمير بحزن، بعيداً عن الدعابة الغائبة التي لم يعرفها منذ عقود من الزمن، مستعيداً مشاهد نحتت في ذاكرته، كان أحزنها كما يقول، منظر امرأة حامل أصابتها شظية وفتحت بطنها، مكملاً مشاهداته: "في ذلك اليوم كانت الفلوجة تفوح برائحة الموت، و مشاهد الألم في كل مكان، إلا أن هذا المنظر علق في ذهني، ولم أفكر فيه على رغم أني دفنت ما يزيد على 100 طفل و200 امرأة". و يكمل أبو محمد المشاهد الأكثر ترويعاً في حياته: "دفنت 55 جثة منزوعة الرأس كان منهم كبار سن"، مشيراً إلى أنه لم يتوقف يوماً عن دفن الشهداء منذ سقوط بغداد حتى قبل مجيئه لاداء فريضة الحج ب10 أيام، ولم يخف الشيخ الرفاعي طلبه المساعدة من زملاء مهنته التي لا يتقاضى عليها أجراً، دفن أقربائه". و ينتظر يعقوب سمير اصغر أطفال حانوتي الفلوجة عودة ابيه، الذي وعده بهدية الحج، وتركت "الحياة" الأب وهو متوجه إلى الله بالدعاء على صعيد "عرفات الله" له و لإخوته العشرة و بلده المحتل، وأن تعود العراق إلى سابق عصورها الذهبية، وان يتفرغ سكانها للعلم والعمل، راجياً أن "لا يصحو صباح يوم على صوت انفجار، أو صراخ الجيران".