تابعت الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا الأمسية الغنائية التي عادت عبرها المغنية ليلى بورصالي صاحبة الحضور المميز على رغم قصر مسيرتها الموسيقية. واختارت بورصالي المنقطعة عن جمهورها منذ مدّة إثر وفاة زوجها، أن تكون عودتها في فرنسا على مسرح رفيق الحريري في معهد العالم العربي في باريس. الآلات الموسيقية المصطفة على المسرح والتي تنوعت بين الشرقي والغربي أطربت الجمهور نغماً شجياً غاب عنه صوت بورصالي الأثير لمدة ثلاث دقائق أعقبها حضور مقطوعات أندلسية يعشقها أبناء الجزائر عموماً وأبناء تلمسان التي تنحدر منها المغنية خصوصاً. وتربط أبناء تلمسان بالأندلسيات علاقة حميمة خصوصاً الحوفي وهو نوع من الطرب النسائي التي تعتبر بورصالي من القلة التي تؤديه نظراً إلى صعوبته وما يحتاجه من تراكم خبرات ومهارات موسيقية وصوتية وأدائية. ألبوم"نوبة غريب"، الثالث في مسيرة المغنية والمهدى إلى روح زوجها الراحل، كان محور الأمسية التي قدمتها للجمهور، واختارت أن تبدأ ب"مصدر"و"بطايحي"و"درج"في جزءين حيث تنقلت من الأقل صعوبةً وبوح وجداني لتحط الرحال في"انصراف"الأكثر طولاً حيث جاءت في أربعة أجزاء ألهبت المسرح خصوصاً النسوة اللواتي، على رغم غياب نمط الحوفي لمصلحة حضور الحوزي بشكل كامل -وهو شكل من أغاني البيئة الجزائرية الشعبية يمكن مقاربتها مع أغاني الضواحي- شاركن المغنية بالزغاريد المتواترة التي ظهرت كأنها جزء من المعزوفة الموسيقية، ومن ثم انتقلت إلى الجزء الأخير"مخلص"وجاء في جزءين، ويعتبر على صعوبته نمطاً موسيقياً رفيعاً يذكر بالزمن الغابر واستحضار أجواء ألف ليلة وليلة. الأغاني التي كتبها أكبر شعراء التراث الأندلسي والتي أدخلت عليها بورصالي توزيعاً موسيقياً من دون أن يمس طابعها الأصلي، حملت نفحات شرقية وصوفية فتنوعت المواضيع بين حب الله والنقاء والبوح الوجداني والأجواء الاجتماعية الحميمة التي تعكس مجتمع الجزائر المحافظ والمنفتح على الحياة. المطربة التي تبدو حريصة على روح البيئة في موسيقاها اختارت أن ترتدي فستاناً من روح المكان وانتقت ألواناً تتماشى مع إضاءة المسرح لتظهر تكاملاً بين كل الأجزاء حتى الثانوية منها. الفرقة الموسيقية التي رافقت بورصالي تألفت من 12 عازفاً لا يوجد بينهم سوى امرأة واحدة هي ليلى الكبير، وتعتبر مديرة أعمالها في الوقت ذاته، وتنوعت الآلات بين الشرقي عبر حضور العود والربابة الجزائرية والدف، والغربي عبر الكمان والكونترباص. وتميزت الفرقة بتحقيق التناغم الكامل بين النصوص الشعرية وصوت بورصالي الرخيم. وقالت بورصالي في حديث إلى"الحياة"بعد اختتام الأمسية:"على رغم مرور قرون عدة على نشوء هذه الموسيقى التي انتقلت من العراق إلى الأندلس ما زالت تحظى بعراقة وإقبال لدى الجمهور". المطربة التي غاب هذه المرة عن غنائها التغزل بالأندلس والماضي الجميل لمصلحة حضور التغني بالفراق وألمه وإضفاء لمسات سامية عليه عقب رحيل زوجها، تحدثت عن التصرفات الموسيقية التي أجرتها على النصوص لتبقى محافظة على أصالتها وتتماشى مع الحداثة والمعاصرة، وتعتبرها مهمة شاقة وتحتاج إلى صبر وجلد وتدريبات كثيرة. وحول أن الشريحة الأكبر من جمهورها تنتمي إلى المغرب العربي، أوضحت بورصالي أن الموسيقى المغاربية منفتحة على الموسيقى المشرقية، ولكن العكس لا يحصل. وعزت السبب إلى عوامل تتعلق بصعوبة اللهجة نسبياً لذلك هي اختارت هذا التنويع بين الفصحى والعامية. وتعمل الفنانة الجزائرية حالياً على إنجاز ألبومها الرابع الذي سيبصر النور قريباً. وفي رصيد المغنية بورصالي إضافة إلى ألبوم"نوبة الغريب"،"نوبة رصد الديل"وألبوم"فراق الحباب"وهو الأول الصادر عام 2009، وشاركت خلال مسيرتها في عدد من المهرجانات الموسيقية في الجزائر والمغرب وفرنسا التي تقيم فيها منذ تسعينات القرن العشرين.