طفلة محمد صلاح تظهر في مسلسل رمضاني    منتدى الأحساء 2025    خطوة هامة لتعزيز الأمن الغذائي !    مسؤولية بريطانيا التاريخية أمام الدولة الفلسطينية !    وزير الخارجية: العمل السعودي الإنساني مستمر.. ومشروع «مسام» ساهم في تخفيف معاناة اليمنيين    رئيس هيئة حقوق الإنسان: السعودية حريصة على نصرة القضايا العادلة    ما هذا يا جيسوس ؟    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تحتفل بيوم التأسيس    الرواية وجائزة القلم الذهبي    وزير الدفاع يصل إلى واشنطن في زيارة رسمية    إسرائيل تتمادى في انتهاكاتها بدعم أمريكي    بقيادة الشرع سوريا في مسار الإصلاح والعدالة    العروبة يعمق جراح ضمك في دوري روشن    هل تبرم أوكرانيا مع أمريكا اتفاق المعادن؟ ترمب يجيب    جمعية الملك فهد الخيرية النسائية في جازان تحتفي بيوم التأسيس لهذا العام 2025م    الأمير سعود بن نهار يلتقي مدير إدارة جوازات المحافظة    محافظ الطائف يكرم الجهات المشاركة في كأس الطائف للصقور    "مفوّض الإفتاء بمنطقة حائل" يلقي محاضرة بعنوان "نعمة تأسيس الدولة السعودية"    جامعة خالد تستحضر الأمجاد في يوم التأسيس    محافظ جدة يتفقد النفق الشرقي    تراخيص صناعية جديدة لصيانة وإصلاح الطائرات بالمملكة    ختام ورش مساحات العمل الصحية    ترمب: نجري مباحثات جدية مع بوتين    المنتخب السعودي يخسر من منتخب العراق ويغادر كأس الخليج لقدماء اللاعبين    أقدم حفل موسيقي    الجبير يلتقي المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي    ارتباط حقن التخسيس بفقدان البصر    (ثمارية العقارية) تطلق المراحة البيعية الرابعة لمشروع "المها" الأكبر في جنوب غرب العاصمة الرياض    قرية "ذاكرة الأرض" تختتم فعالياتها بتبوك    الجلاجل يبحث تعزيز الشراكة الصحية مع وزيري القوى العاملة وحماية العمال الإندونيسيين    النيابة العامة تحتفي بمناسبة يوم التأسيس    الزواج ليس ضرورة.. لبنى عبدالعزيز: الأمومة مرعبة والإنجاب لا يناسب طموحاتي المهنية    انعقاد جلسة رفيعة المستوى حول الدبلوماسية الإنسانية في النزاعات ضمن فعاليات منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع    أمير الرياض يعزي جبران بن خاطر في وفاة والدته    عبادي الجوهر قدمني للناس كشاعر.. عبدالرحمن بن مساعد: أغنية «قالوا ترى» ساذجة    أمانة تبوك توفر 260 بسطة رمضانية في 13 موقعاً    يوم التأسيس: جذور المجد وبداية الحلم    البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري يعلن عن مبادرة لتمكين الامتياز التجاري في نشاط صيانة السيارات    "الشؤون الإسلامية" تنهي فرش 12 جامعا بمنطقة القصيم    بلدية صبيا تطلق فعاليات الاحتفال بيوم التأسيس    بعد وفاة 82 شخصاً.. بريطانيا تحذّر من استخدام حقن إنقاص الوزن    الرياض: ضبط 4 وافدين لممارستهم أفعالاً تنافي الآداب العامة في أحد مراكز «المساج»    الاتحاد الأوروبي يُعلن تعليق بعض العقوبات المفروضة على سوريا    وزارة الصحة تؤكد أهمية التطعيم ضد الحمى الشوكية قبل أداء العمرة    زيادة تناول الكالسيوم تقلل من خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم    زياد يحتفل بعقد قرانه    كشافة شباب مكة تقلد محمود (المنديل والباج)    ماذا فعل ريال مدريد بالسيتي!!    وقفات مع تأسيس السعودية وتطورها ومكانتها المتميزة    ضيوف منتدى الإعلام يزورون "مكان التاريخ"    موجة برد صفرية في السعودية.. «سعد بلع» يظهر نهاية الشتاء    مختبر ووهان الصيني.. «كورونا» جديد في الخفافيش    يوم التأسيس.. يوم التأكيد    مسيرات الحب في ذكرى يوم التأسيس    رئيس "سدايا": يوم التأسيس .. اعتزاز ممتد على مدى ثلاثة قرون من الأمجاد والنماء    لماذا يحتفل السعوديون بيوم التأسيس ؟    برعاية مفوض إفتاء جازان "ميديا" يوقع عقد شراكة مجتمعية مع إفتاء جازان    برعاية ودعم المملكة.. اختتام فعاليات مسابقة جائزة تنزانيا الدولية للقرآن الكريم في نسختها 33    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤثرات الحضارية الشامية والعراقية في الأندلس
نشر في الحياة يوم 07 - 09 - 2013

في خلافة الوليد بن عبد الملك تمّت السيطرة على بلاد الأندلس، وبقيت ولاية تابعة لدمشق إلى أن استقلّ بها الأمير الأموي عبدالرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبدالملك صقر قريش مؤسس الدولة الأموية في الأندلس.
وفي أثناء حكمه وضع جذور الحضارة الإسلامية الشامية في الأندلس، وقد حرص على تجديد ما زال من حضارة بني أمية في المشرق، وعلى نقل النظم الإدارية المعروفة في المشرق العربي طيلة العهد الأموي.
ويذكر"ابن القوطية"في كتابه"تاريخ افتتاح الأندلس"أنّه منذ عهد هشام بن عبدالملك نزل الشاميون في كور الأندلس وتفريقهم على قرطبة، إذا كانت لا تحملهم، فأنزل أهل دمشق بالبيرة، وأهل الأردن برية وأهل مصر بباجه، وقطيعاً منهم بتدمر". لذلك كان من الطبيعي أن تقتبس الدولة الناشئة المعالم الحضارية الشامية، ومنها التقاليد والأنظمة الشامية ومظاهر العمران.
حاول عبدالرحمن الداخل أن يجعل من عاصمته قرطبة صورة من دمشق من حيث منازلها البيضاء ذات الأحواش الداخلية وفي أشجارها وحدائقها راجع وصف المقدسي لقرطبة"أحسن التقاسيم لمعرفة الأقاليم" كما عمل على نقل الأشجار التي كانت موجودة في بلاد الشام ومنها أشجار النخيل والأشجار المثمرة كالتين والرمان والعنب، وبالقرب من قرطبة زرع الأمير عبدالرحمن أول شجرة نخيل في الأندلس في حديقة قصره. كما بنى قصوره خارج قرطبة على غرار القصور الأموية التي أنشأها هشام خارج دمشق. ومن قصور عبدالرحمن قصر الرصافة راجع أحمد مختار العبادي"العلاقات بين الشرق والغرب" وهو قصر صيفي شمال غربي قرطبة.
أما بناء المسجد الجامع في قرطبة الذي أقامه عبدالرحمن الداخل عام 169 ه فقد تميّز بتأثير المؤثرات الشامية الإسلامية في زخارفه المعمارية ونظام سقفه وعقوده، كما أنّ مئذنة مسجد قرطبة تماثل مآذن مساجد الشام لا سيما مساجد دمشق والقدس.
وكان الأمير عبدالرحمن قد استعان بالبنائين والمهندسين الشاميين في بناء قصوره ومساجده ومقصوراته. وهذا التشابه في البناء المعماري بين بلاد الشام والأندلس كان بتأثير الحضور الشامي في الأندلس. وهكذا لقّح عبدالرحمن حضارة الأندلس بالطابع الشامي، وإليه يرجع الفضل في غرس بذور نهضة علمية زاهرة بقرطبة راجع السيد عبدالعزيز سالم"تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس".
وفي الحديث عن المؤثرات الشامية في الأندلس، نرى أنّ موقع مدينتي غرناطة وقرطبة يشبه إلى حدّ كبير موقع دمشق وبغداد، كما يذكر السيد عبدالعزيز سالم فدمشق تقع على الضفة اليسرى لنهر بردى، وقرطبة تقع على الضفة اليسرى لنهر الوادي الكبير، ويطل على دمشق جبل قاسيون، بينما يطل على قرطبة جبل الشارات، هذا إضافة إلى التشابه بين البلدين في بيوتهما وأسلوب الحياة فيهما. من هنا جاء قول الجغرافيين العرب إنّ الأندلس"شامية في هوائها وشامية في حياتها"راجع أحمد مختار العبادي.
أما الأمير شكيب أرسلان فيشير في كتابه"الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية"الجزء الأول، نقلاً عن النقشبندي"غرناطة دمشق بلاد الأندلس ومسرح الأبصار ومطمح الأنفس. وغرناطة من أحسن بلاد الأندلس وتسمى بدمشق الأندلس لأنها أشبه شيء بها".
وفي مجال المؤثرات الدينية في الأندلس فلقد تأثرت بالحياة الدينية الغالبة في الشام، منذ كان في الأندلس الكثير من فقهاء وقضاة الشام وقد ساد مذهب الإمام الأوزاعي في البداية بلاد الأندلس والذي كان في الوقت ذاته مذهب أهل الشام.
كما شهدت الأندلس الكثير من الأدباء القادمين من الشام والمشرق. وكان الأمير محمد بن عبدالرحمن بن الحكم شغوفاً بالبيان مؤثراً لأهل الأدب، وقد قرب إليه الأدباء والشعراء ومنهم أدباء الشام.
أما الحكم بن عبدالرحمن الثالث الملقب ب المنتصر بالله فلقد كان جامعاً للعلوم محباً لها، مكرماً لأهلها وجمع من الكتب في أنواعها ما لم يجمعه أحد من الملوك قبله هنالك وذلك بإرساله ثمنها إلى الأقطار واشترائه لها بأغلى الأثمان"راجع أحمد مختار العبادي.
أما المؤثرات الحضارية العراقية فلقد بدأت تظهر بوضوح منذ أيام الخليفة أبو جعفر المنصور.
أما أبرز مظاهر المؤثرات العراقية في الأندلس فلقد ظهرت في عهد عبدالرحمن الثاني في قرطبة التي برزت فيها المؤثرات الفنية والأدبية العراقية، وما ساعد على ذلك أنّ الأمير عبدالرحمن كان محباً للعلم والعلماء فأحسن استقبالهم وأكرم ضيافتهم. وقد نقل علماء وفقهاء العراق معهم الكثير من المؤثرات الأدبية والعلمية العراقية التي اختلطت بالمؤثرات الشامية والحجازية والمصرية.
أما الحاكم الثاني المنتصر بالله فلقد كان محباً للعلوم متأثراً بعلماء بغداد، فقد طلب"كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني"ودفع فيه ألف دينار فأرسل إليه أبو الفرج نسخة مخطوطة من الكتاب قبل نشره في بغداد.
أما في ما يختص بالحياة الدينية فلقد تأثرت في بعض فتراتها بالمؤثرات الدينية السائدة في العراق، فالمذهب المالكي الذي انتشر في العراق نقله بعض الفقهاء إلى الأندلس عبر العراق وليس عبر الحجاز ومن فقهاء ورواة الحديث الأندلسيين الذين زاروا بغداد ونقلوا معهم مذهب الإمام مالك، يحيى بن يحي الليثي".
أما من الناحية الفنية فنجد أنّ الموسيقى العراقية أخذت هي الأخرى تغزو الأندلس وتحل محل موسيقى أهل المدينة. وهنا لا بد أن نشير إلى تأثير بعض المغنين الحجازيين الذين نقلوا فن الغناء الحجازي إلى الأندلس، ومنهم المغنية عجفاء التي أثارت إعجاب الأندلسيين بغنائها في عهد هشام.
كما بنى الأمير عبدالرحمن الثاني الأوسط قصراً خاصاً للمغنيات أطلق عليه اسم"دار المدنيات"نسبة إلى المدينة. وإلى جانب ذلك شهدت الأندلس قدوم بعض المغنيات من الحجاز.
وفي عهد عبدالرحمن الثاني الأوسط شهدت عاصمة الأندلس قرطبة مؤثرات فنية وأدبية عراقية، والذي ساعد على ذلك هو أنّ الأمير عبدالرحمن الثاني كان محباً للعلم والعلماء فأحسن استقبالهم وأكرم ضيافتهم ووزع عليهم المرتبات، وهذا ما شجع علماء وفقهاء العراق بالذهاب إلى هناك حاملين معهم الكثير من المؤثرات العلمية والأدبية العراقية حيث اختلطت بالمؤثرات الشامية والحجازية والمصرية. ففي أوائل عهد الأمير عبدالرحمن وصل إلى قرطبة مغنٍ اسمه علي أبو الحسن بن نافع الملقب ب"زربان"وكلمة زربان فارسية الأصل تطلق على طائر أسود حسن التغريد، وهذه الصفات تنطبق على زرياب إذ كان أسود اللون حسن الصوت فصيح اللسان.
وكان هذا الفنان قد تتلمذ على يد الموسيقي العراقي الكبير إسحاق الموصلي لكنه فاز على معلمه فألقى الأناشيد الجميلة بين يدي الخليفة هارون الرشيد فأعجب به وأغدق عليه العطاء، مما جعل الحسد والغيرة تدبان في نفس أستاذه الذي أخذ يعمل من طريق الوشاية ضد تلميذه زرياب فآثر هذا الأخير أن يترك بغداد ويتجه نحو المغرب فوصل الأندلس سنة 207 ه.
بوصول زرياب إلى الأندلس انتقلت معه المؤثرات الموسيقية العراقية، وبهذا الانتقال طغت مدرسة العراق الفنية على مدرسة الحجاز، فقد علّم هذا الفنان الأندلسيين طرقاً موسيقية جديدة في كيفية التأليف والأداء وكيفية الابتداء والانتهاء، وقد دعت مدرسته باسمه أي"مدرسة زرياب الفنية"وكانت هذه المدرسة تمثله مع أبنائه وبناته وجواريه.
وتصف لنا المراجع المعاصرة مدى تأثير زرياب في الحياة الأندلسية حتى يخيّل إلينا أنّه حمل معه بغداد ووضعها في قرطبة. فهو الذي علّم الأندلسيين طرقاً موسيقية جديدة، حيث جعل مضرب العود من قوادم النسر بدلاً من الخشب، مما ساعد على نقاء الصوت وسلامة الوتر. ولم يكتف بذلك بل أضاف وتراً خامساً للعود جعله في الوسط. وما زالت موسيقى زرياب إلى الآن ماثلة في الموسيقى الأندلسية والمغربية والتونسية والليبية.
كذلك علّم زرياب الأندلسيين الطهو العراقي، وضرورة الترتيب في وضع الأطعمة بدلاً من وضعها دفعة واحدة. فيبدأ الإنسان بالحساء أو المقبلات ثم بالخضروات ثم باللحوم وأخيراً بالحلوى والفاكهة. وأشار عليهم باستعمال الاواني الزجاجية بدلاً من الأواني الفضية والذهبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.