لا أطعن في سعي روسيا الرامي إلى الحؤول دون الضربة الأميركية في سورية، على نحو ما يفعل السناتور ماكين. ولكن يساورني شك، وأفتقر إلى يقين. فالروس اقترحوا مقاربة السلاح الكيماوي مقاربةً عامة تقضي بأن يمتثل السوريون لها. لكن المبادرة هذه تثير أسئلة كثيرة، وتفتح الباب امام مسعى أممي. ويترتب على ذلك أن تبادر القوى صاحبة حق النقض في مجلس الأمن، أي روسيا والصين، إلى أداء دور بارز في هذه الأزمة. فالمصالح الصينية والروسية لا يُستخف بها في الشرق الأوسط، والمسار هذا طويل، وحريّ بواشنطن التحلي بالصبر والمثابرة. ليست الإدارة الأميركية مَن أثبط دور مجلس الأمن. فالصينيون لم يتعاونوا، والروس توسلوا حق النقض. لكن الأمور تقتضي بأن نحتكم إلى المجلس لتفادي ضربة عسكرية. ومواصلة المساعي في المجلس تمتحن الموقف الروسي وجديته. وأعتقد بأن الروس لا يناورون في اقتراحهم، بل هم جديون. فهم بدأوا يدركون أن المنطقة على شفير انفجار ستبلغ تردداته القوقاز. وهم، وبوتين شخصياً، استثمروا استثماراً ضخماً في تنظيم الألعاب الأولمبية. التي قد تجهض إذا بلغت النيران جنوب غربي روسيا. ولا يجوز إهمال الاقتراح الروسي من غير امتحانه، وما أزال عند رأيي، فتوسيع النزاع في سورية إثر تدخل أميركي لا يصب في مصلحة الولاياتالمتحدة. ويبدو أن ماكين صار يوافقني الرأي. فهو يقول أنه لا يرغب في إرسال قوات برية إلى سورية، لكن القوة الجوية لن تنهي النزاع ولن تحرز نصراً. وهذا يقتضي تدخلاً فعلياً. وتلوّح الإدارة الأميركية بضربة عسكرية محدودة تقتص من السوريين إذا أخفقت المساعي الروسية. لكن مثل هذه الضربة لا يؤثر في مسار النزاع. الذي إذا تفاقم بعدها، انزلقنا إلى تدخل كامل. وقد يهتز استقرار المنطقة اهتزازاً تظهر أعراضه في الاقتصاد العالمي. وتبرز الحاجة إلى تغيير مقاربتنا المسألة. فأميركا التزمت موقفاً موحداً مع الدول الصديقة، أي فرنسا وبريطانيا، ولكن مثل هذه الصداقات لا يفيد في هذه المنطقة. فالبلدان هذان مكروهان، فهما قوتان استعماريتان إمبرياليتان سابقاً. وحريّ بنا التعاون مع الاتحاد الأوروبي كله، ولو كان لا يؤيد تدخلاً عسكرياً، وإشراك القوى الآسيوية البارزة في الحل. فالصين، على سبيل المثل، تعتمد على نفط الشرق الأوسط ويهددها انقطاعه. وهي ليست ملحقة بروسيا، ومصالحها منفصلة ويسعها أداء دور بناء. وأدعو الإدارة الأميركية إلى اعتماد هذا المنحى. وأرى أنها بدأت تنتهج استراتيجية واسعة الأفق في المنطقة. والى وقت قريب، أخذتُ على هذه الإدارة قصرها سياساتها على طلبات أو خطوط حمر من غير الاستناد إلى استراتيجية. ولكن يبدو أن الظروف اضطرتها إلى انتهاج فكر استراتيجي. * مستشار الأمن القومي في ادارة جيمي كارتر صاحب"رؤية استراتيجية: أميركا وأزمة القوة المعولمة"، عن موقع "بابليك برودكاستينغ سرفيس" الأميركي، 11/9/2013، إعداد منال نحاس