أولا: أمور ثلاثة راهنة 1 - مثلت أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، في 17 تموز يوليو، 2013، سامنتا باور، المرشحة لمنصب سفيرة لدى الأممالمتحدة. للمرشحة الإعلامية تاريخ من الكتابة في شؤون إنسانية شتى. سألها أحد الشيوخ عن مقال لها في عام 2003 ورد فيه أن على الولاياتالمتحدة تقديم حساب تاريخي عن جرائم قامت بها أو دعمتها أو تسامحت إزاءها. وورد أيضاً أن"اعتماد أميركا سياسة الاعتراف بالخطأ عن أمور قام بها أسلافنا تزيد من صدقيتنا السياسية". كان السؤال الموجه إلى المرشحة: ماذا تقصدين؟ أجابت: التعذيب في أبو غريب. ويبدو أنها لم تزد. 2 - تتوالى ردود فعل الأميركيين المتحدرين من أصل أفريقي احتجاجاً على تبرئة جورج زيمرمان من هيئة محلفين في فلوريدا قرَّرت أنه كان يدافع عن نفسه حين قتل بالرصاص أفريقيا - أميركياً غير مسلح مشى خطأ قرب تجمع سكني حيث لا يحق له أن يمشي. جرت الحادثة في شباط فبراير 2013، إلا أن الحكم بالبراءة صدر أوائل تموز. حين سُئِل الرئيس أوباما عن مشاعره إثر وقوع الجريمة قال إنه لو كان لديه ابن لكان الابن في عمر الضحية. لم تكن مفيدة مشاعر الرئيس المتعاطفة مع الضحية. قرر المحلفون براءة القاتل. 3 - تحتفل أميركا هذه الأيام بالذكرى ال150 للنصر في الحرب الأهلية. انتصر محررو العبيد، ذلك التحرير الذي اعتبره لينكولن، في 1 كانون الثاني يناير 1863، الهدف الأول للحرب. في تموز 1863 اكتمل النصر. في التهيئة لتلك المناسبة أصدر جيم دونز، في أيار مايو 2013، وهو مدرس شاب في جامعة كونتيكت، كتاباً لعنوانه دلالة:"مريض من الحرية". جوهر الكتاب نقض لما يقال إن عدد ضحايا الحرب هو ثلاثة أرباع المليون. يثبت المؤرخ الشاب أن مليون أسود، من أصل أربعة ملايين من السود، لقوا حتفهم إثر انتهاء الحرب بسبب الأوبئة والمجاعة. كتابه يفضح التاريخ الأميركي الرسمي ضمن موجة اهتمام جاد باكتشاف فضائح ذلك التاريخ. ثانياً: هل على أميركا أن تدفع؟ نظرة في كتاب قديم: يقبع على مرأى مني كتاب ذو هيبة. يقع في 394 صفحة من القطع الكبير. عنوانه الأساس: هل على أميركا أن تدفع؟ وله عنوان فرعي هو:"الاسترقاق والنقاش المحتدم بشأن التعويضات". الكتاب مهدى:"إلى الأفريقيين، أحياء وأمواتاً الذين لم ينالوا العدالة نتيجة اقتناصهم واسترقاقهم واستعمارهم والتمييز ضدهم: لن تُنسى أبداً نضالاتكم وعذاباتكم". يتألف الكتاب من مجموعة دراسات جادة لعدد من الباحثين. أما محرر الكتاب، ريمون وينبوش، فمتميز أكاديمياً. حصل على الدكتوراه في جامعة شيكاغو، ومارس التدريس في جامعات متعددة، وهو الآن - أي وقت نشر الكتاب في عام 2003 - عضو مجلس تحرير مجلة دراسات السود. لم أبتع الكتاب. سلمني إياه هدية ذات يوم في جنيف محام أفرو - أميركي نشط بارع اسمه روجر وارهام يوم كنتُ عضواً من آسيا في مجموعة عمل من الخبراء، عددهم خمسة، مهمتهم تحسين أوضاع المتحدرين من أصل أفريقي في العالم. تلك المجموعة تولّت إنشاءها الأممالمتحدة، عام 2002، تنفيذاً لأحد قرارات مؤتمر دربان لمناهضة العنصرية الذي عقد في أيلول سبتمبر 2001. منذ الأيام الأولى لعمل تلك المجموعة اهتممتُ بموضوع التعويضات. في 24 كانون الثاني 2003 نشرت لي الأممالمتحدة مذكرة - وثيقة بالإنكليزية، أفترض أنها معروضة على موقع المجموعة، عنوانها:"بعض الأفكار الشخصية بشأن التعويضات". تلك المذكرة أثارت ضجة. رحّبَت بها هيئات، منها واحدة رئيسها المحامي وارهام، فكان أن كافأني بإهدائي الكتاب الذي ظهر بعد بضعة أشهر من تاريخ نشر المذكرة. ربما كان مجاملاً حين قال إن المذكرة تسببت بإصداره. في مقابل الترحيب، تعاملت الجهات الوصائية على عمل مجموعتنا في الأممالمتحدة مع المذكرة بحذاقة مدروسة اقتصَّت من جناحيها فلم تستطع التحليق عالياً. كانت الفكرة نبيلة سامية والحصاد متواضعاً. يقبع الكتاب على مرأى مني يذكِرُني بواجب المتابعة. في مناسبة حديث المرشحةِ سفيرةً عن"أخطاء الأسلاف"عدتُ إلى هدية وارهام لأقوم بقسط يسير جداً من الواجب. في مستطاعي تعريف القارئ العربي بعناوين أقسامه ونحن نقترب من مئوية وعد بلفور. يقع الكتاب في ستة أقسام هذه عناوينها: 1 - التاريخ والتعويضات. 2 - التعويضات والقانون. 3 - أصوات تطالب بالتعويضات، أخرى تعارض. 4 - التعويضات والمنظمات الشعبية المطالبة بها. 5 - التعويضات والتدخل العملي. 6 - وثائق تاريخية. من المرجح أنني لن أفيد من الكتاب في ما بقي لي من أيام. سأهديه إلى المكتبة الوطنية، فقد يتدبر أمر إيفائه حقه من يستطيع. ثالثاً: إيضاحان قد يكون لثانيهما ما بعده: الإيضاح الأول يختص بالتعابير. تطورت الإشارة إلى زنوج أميركا. كانوا عبيداً فأصبحوا زنوجاً فملونين فسوداً. أما الآن فهم، وغيرهم من فئتهم في كل أنحاء المعمورة،"المتحدرون من أصل أفريقي". ذلك هو التعبير المهذب المعترف به في لغة حقوق الإنسان المتطورة دائماً. أما الإيضاح الثاني فيختص بإجابة الإعلامية المرشحة سفيرةً عن قصدها في شأن الاعتراف بأخطاء الأسلاف. هل كُشِفَت فضيحة سجن أبو غريب قبل أو بعد نشرها عام 2003 مقالها الذي امتحنت عن قصدها فيه؟ لم أدقق وليست يسيرة عليَّ السباحة في خضم الشابكة. ثم إنه لن يكون صعباً على داعية عربي لحقوق الإنسان الوصول إلى مقال عام 2003، وقد يستطيع إشهار ما ورد به من مقاصد لم تعلن في جلسة لجنة الشؤون الخارجية. قد يقلب إشهار المقاصد التي استترت في الجلسة، قد يقلب الاتجاه نحو تثبيت الإعلامية المرشحة، أو قد يضطرها إلى التخلي العلني عن بعض أفكارها. أليس لدينا شاب عربي يطمح أن يكون أسانج أو سنودان يمارس تأثيراً في آلة الحكم الأميركية؟ * كاتب سوري