بشارة عودة الكوميديا بقوة الى موسم رمضان الدرامي هذه السنة تحققت، ولكن على صعيد الكم فحسب. ما نشاهده هذه الأيام يقول لنا إن عدد الأعمال الكوميدية زاد في صورة ملحوظة خصوصاً مع وجود عدد من أبرز نجوم هذا اللون الدرامي، وبخاصة من الخليج. مع ذلك فالسؤال الذي يفرض ذاته هنا بعد تجاوز الكم هو سؤال الجدارة الفنية: هل ما نشاهده من أعمال يرقى الى مستوى الطموح الذي يمكننا معه الحديث عن عودة حقيقية للكوميديا. لا نستطيع الإجابة بالإيجاب، فالأعمال المعروضة من دون استثناء وقعت كلها في"نيَة"الترفيه بالمعنى السطحي للكلمة، أي تحديداً في رغبة البحث عن النكتة التي يمكن أن تجلب للمشاهد الصائم ضحكة عابرة، أو لنقل بتواضع إبتسامة ما، لكنها لا تتمكن من تحقيق معادلة الفن الكوميدي إذا انطلقنا من فكرة أن الكوميديا ليست أبداً فن الإضحاك، وإن يكن هذا بعض مفرداتها. نتحدث هنا عن الكوميديا وفي البال فكرة دراما كوميدية تتمكن من تحقيق التوازن بين صورة الواقع كما نراها في حياتنا، وبين تلك الصورة الأخرى، الفنية الكاريكاتورية، والتي لا تعني كاريكاتوريتها إنتقاصاً من حيويتها، بل من قدرتها على تحريك ما هو راكد كي تحرّض المشاهد على الجدل مع الموضوعات الأبرز والأهم في حياته. أمام عجز كهذا الذي نراه لا يعود أمام تلك الكوميديا سوى السبيل القديم، المكرَر والمألوف، أي الذهاب في صورة شبه كلية نحو استثمار الإمكانات التمثيلية والفيزيولوجية لنجم الكوميديا الممثل الفرد، والتي لا تستطيع مهما علت أن تجترح المعجزات لتحقق حضوراً يقوم بالأساس على غياب النص على نحو فاجأنا هذه السنة بأنه فادح. يتحدث صنَاع الدراما التلفزيونية في مقابلاتهم باحترام عن فن الكوميديا وصعوبته، لكنهم يفعلون عكس ذلك في أعمالهم من دون أن يدركوا ولو مرَة أن الكوميديا صعبة حقاً، وأن صعوبتها تقتضي بالضرورة أخذها على محمل الجد، ونعني تحديداً الإعداد بهدوء وروية وهو ما لا يتناسب أبداً مع"نمط الإنتاج الرمضاني"الذي يقوم عادة على السهولة والسرعة.