هناك ظاهرة لافتة على موقع"فايسبوك"للتواصل الاجتماعي، وخصوصاً في باب التدوينات، وهي ظاهرة"الإمعية"وعدوى الأخطاء الإملائية. ويبرز ذلك في الصفحات غير الشخصية وغير الرسمية، وخصوصاً تلك التي تناصر قضية معينة أو جالية أو مجموعة في شكل غير رسمي. "احفظ هذه الحكمة في حياتك: لا تحاول الوصول إلى إنسان... لا يحاول الوصول إليك"، هذا ما جاء في إحدى التدوينات، فيما جاء في تدوينة أخرى:"لا خير في شيء يرحل... فلو كان فيه خير لما رحل". أما تدوينة ثالثة، فجاء فيها:"طبعاً، الكل يعلم أن البطل الجليل الصحابي خالد ابن الوليد هو من هدم عرش كسرى". قبل التطرق إلى التدوينة الأولى، يلاحظ أن نسبة كبيرة من الردود على التدوينات تأتي على الشكل التالي:"نعم... كلامك مظبوط""أو"صحيح"أو"يا عيني عليك"... إلخ، علماً أن ثمة من أصحاب الردود من هم جامعيون! وهذا ما حدث في التدوينة الأولى والثانية، كما في معظم الحالات، إذ انسحبت كل الردود على المنوال ذاته. ويتساءل كثر: هل يجب معاملة أخ أو صديق بناء على"الحكمة"الواردة أعلاه؟ كيف لي أن أكون أخاً بكل ما في الكلمة من معنى أو صديقاً حقيقياً؟ في الحالة الأولى أين صلة القربى التي دعانا إليها الله ورسوله الكريم؟ أين التماس الأعذار وسعة الصدر التي حثتنا عليها تعاليمنا الدينية من هذه"الحكمة"؟ وثمة من يعلق على التدوينة الثانية، متسائلاً: أليس هناك خير في الأشياء التي ترحل، وربما الخير كله؟ ألا يمكن اعتبار الأمر من باب الابتلاء للعبد المؤمن رحمةً من رب العباد؟ أما في ما يتعلق بالتدوينة الثالثة، فهي معلومة مغلوطة. فمن هدم عرش كسرى هو الخليفة عمر الفاروق. ما يحدث غالباً أن بعض المشرفين على الصفحات يحاولون في تدويناتهم الخاصة بهم طرح تجربة شخصية وجعلها تجربة إنسانية، أو مثلاً من موروثات الشعوب، وذلك من خلال تقديمها صراحة على أنها كذلك، أو حتى في قالب مثلٍ أو حكمة، من حيث الشكل. في المقابل، ثمة مشتركون تصيبهم"عقدة المشرفين"، بمعنى أنهم يثقون بأن كل ما يطرحه المشرف على الصفحة أو الموقع في فضائه لا بد أن يكون صحيحاً، وذلك حتى من دون معرفة سابقة بالمستوى التعليمي للمشرف أو خلفيته الثقافية أو حتى مصادره المعتَمَدَة، إن وجدت. وعليه، ثمة نصيحة لمستخدمي موقع"فايسبوك"ومتابعي صفحاته، وغيره من المواقع الشبيهة، أن يُخضِعوا كل ما يقرأونه، ولو لنصف دقيقة، للعقل وللمنطق بدلاً من الاهتمام فقط بوضع"لايك"أو إضافة تعليق لإثبات وجودهم على الصفحة. والقاعدة التي تقول:"أنا أفكر... إذاً أنا موجود"لا تعني أن كل من"يطج لايك"هو موجود أيضاً! من هنا، يرى خبراء أن على ال"فايسبوك"أن يكون وسيلة للنقاش والتفاعل الفعال البنّاء، كما هي إحدى وظائفه المفترضة، وليس وسيلة ل"النعممة أو الإمعية". لكن من دون أن يعني ذلك أن نصل إلى مرحلة"اللائية"والتشكيك في كل شي واضح ومقبول منطقاً. وبعدما أصبح"فايسبوك"مصدراً رئيساً للمعلومات والأخبار لدى كثيرين، فإن عدم التحري عن المعلومة المقدمة عبر الموقع الإلكتروني قد يؤدي جدياً إلى تشرّب الأفكار المشوّهة وحتى المسمومة في اللاوعي لدى متصفحيه. ومن نتائج ظاهرة"الإمعية الفايسبوكية"على المدى الطويل هو التعطيل الفكري، جراء الاكتفاء فقط بالإعجاب بما هو مقدم على الشاشة. وفي عصر التحولات الديموقراطية، ينبغي على"فايسبوك"أن يكون منصة للتدرب على المناقشة والإصغاء في العالم الافتراضي، لا أن لا يُحجَب مشتركاً ما فقط لأنه يشكل مصدر"إزعاج"بسبب آرائه الخاصة أو العامة. وبالتالي، فإن التفاعل على الإنترنت ينبغي أن يكون ذا طابع حضاري، قيّم، مثرٍ، بنّاء، رحب الصدر... لا أن يكون تفاعلاً على طريقة التناحر! إلى ذلك، تزدحم المواقع الإلكترونية، وخصوصاً"فايسبوك"، بالكثير من الأخطاء الإملائية المخزية، كما في مثال"خالد ابن الوليد". ألم نتعلم في المراحل المبكرة من دراستنا أنه لا يجوز إضافة الألف إلى كلمة"ابن"إذا وقعت بين علمين أولهما غير منّون؟ وكم من مرة رأينا فيها أن حرف الذال يُستبدل غالباً وتلقائياً بحرف الزين في اللغة ال"فايسبوكية"في كلمات، مثل"خذلان"و"ذوق"! وكم من مرة لاحظنا أنه لا وجود لتنوين النصب، فيستبدل نوناً، كما في"غصباً"وغيرها من الكلمات؟ وهناك أمثلة أخرى كثيرة أيضاً تتعلق باستبدال التاء المربوطة بالمبسوطة! هذه ظاهرة خطيرة تزيد من ضعف لغة الضاد على ألسنة الناطقين بها، وتؤذي حتى من هو جيد إملائياً، فمع مرور الوقت، لأن كثرة تكرار مشاهدة كلمة معينة ذات تهجئة خاطئة سيؤدي بالنتيجة حتماً إلى أن تُطبع و"تُفرض"على الذاكرة، وتلقائياً سنكررها كما هي بخطئها. وهذا ما بتنا نلاحظه في الرسائل القصيرة ودردشات"الماسنجر"أحياناً من أشخاص متعلمين للأسف! وعليه، فإن إدارة صفحة ما ذات متتبعين كثر هي مسؤولية وأمانة. وبالتالي، يجب أن تشجع صياغة الأفكار على الحوار والمناقشة وعلى طلب إشراك تجارب الآخرين في ما يطرحون، فضلاً عن ضرورة التحري عن المعلومة التي تُقدَّم عبر"فايسبوك"الذي بات لدى كثر مصدراً للأخبار والمعلومات أيضاً. من هنا، لم يعد مبرراً لنا عدم التدقيق في ما نكتب، لا سيما على الصعيد الإملائي، على أساس أن أهمية الخبر تفرض ذلك. فليس المطلوب أسلوباً إنشائياً ولا علامات ترقيم أو حتى لغة فصيحة لا تتماشى ربما مع صفحة طابعها غير رسمي تخاطب شريحة معينة، ناهيك عن موضوع بث الإشاعات وتناقلها، كما يحدث في الحياة اليومية.