لا شك في أن خطر سياسات مارين لوبن، وهي على رأس حزب"الجبهة الوطنية"اليميني المتطرف، يفوق خطر سياسات والدها، جان - ماري لوبن. فهي تفتقر إلى ثقافته وفصاحته، ولا تثقل كاهلها"أخطاء"ارتكبتها في الماضي، وهي تتجنّب ارتكاب هفوات، ولا تحيط نفسها بأشخاص يكثرون الخطابات الاستفزازية. وريثة اليمين المتطرف الفرنسي سعت إلى تلميع صورة التيار هذا، وأفلحت في بلوغ مأربها. وعلى خلاف ابنته لم يرم جان - ماري لوبن يوماً إلى بلوغ السلطة واكتفى بخطاب متطرف كان يخلف أثراً سلبياً في فرنسا ويحيي الحنين إلى الإمبراطورية الاستعمارية والقوة والسلطة والسمو وتراتبية الأعراق. وبدا كأنه عالق في شباك فرنسا الثلاثينات التي أفلت مع الجمهورية الثالثة. فهو كان الرجل- الفرنسي السابق أو الرجل الآتي من الماضي، لكن مارين لوبن هي ابنة الحاضر وعينها على المستقبل. ووالدها يتحدّر من الحروب والهزائم وانحسار النفوذ الفرنسي والخوف من الأفول، فيما هي، مولودة من رحم الأزمات الاقتصادية واليأس الاجتماعي. واستراتيجيتها وجدت في عوامل- منها تفكك المجتمع الفرنسي، وعجز الأكثريات البديلة عن الخروج من هوة الأزمة الاقتصادية، وتآكل الأحزاب السياسية التقليدية ونبذ النخب - تربة غنية لها. وهي وراء تحول اليمين المتطرف تياراً شعبوياً متطرفاً. وتسعى"الجبهة الوطنية"في ولاية مارين لوبن إلى بلوغ السلطة، وترغب مارين في أن يرتقي اليمين المتطرف لاعباً سياسياً بديلاً، وهي إذ تسعى إلى ذلك تزعزع استقرار فرنسا. وأبرز أهدافها هو إطاحة حزب"الاتحاد من أجل حركة شعبية"اليمين الوسطي عبر حمل الغالبية اليمينية البرلمانية على تحديه وفرط عقد صفه. وهذا غير متعذر في وقت كادت"الجبهة الوطنية"أن تحوز خُمس الأصوات في الانتخابات الرئاسية الماضية، وتجاوزت العتبة هذه في الانتخابات التشريعية المرحلية. وفي الانتخابات البلدية في آذار مارس المقبل، يتوقع أن يكون أثر اليمين المتطرف المتحول تياراً شعبوياً متطرفاً. ولم يعد ناخبو"الاتحاد من أجل حركة شعبية"يلفظون تيار مارين لوبن، وصاروا يرون أن ثمة أوجه شبه تجمعهم به، على رغم فظاظته وقسوته. لكن ثمة شريحة من ناخبي اليمين المعتدل ?"جناح"آلان جوبيه وجان بيار رافارين وفرانسوا فيون، لم تسقط بَعد في حضن التطرف الشعبوي. الاعتدال هذا ينحسر في عدد من المناطق الفرنسية، منها الميدي في بروفانس ولانغدوك، وفي شرق فرنسا وشمال الحوض الباريسي. ولن تنال"الجبهة الوطنية"الغالبية في المدن، لكن مرشحيها سيكتسحون المناصب البلدية، ومثل هذه الغلبة ستضطر"الاتحاد من أجل حركة شعبية"إلى عقد تحالفات محلية مع"الجبهة". وفي الانتخابات الأوروبية، يُرجّح أن يواصل المد"اللوبيني"التقدم. واليمين المعتدل يفتقر إلى زعيم يرص صفوفه وإلى"خط"أو وجهة واضحة إزاء المشروع الأوروبي. ولا تصب التغيرات هذه في مصلحة اليسار. ففي أوروبا، يتعاظم وزن الحركات الشعبوية، وكفّتها غلبت في هنغاريا. والمغالاة في الشعبوية في فرنسا لم تعد كابوساً خيالياً بل باتت احتمالاً واقعياً. وفي الأوساط الشعبية، يتوسع نفوذ"الجبهة الوطنية". ففي أوساط كانت إلى وقت قريب القاعدة الاجتماعية لليسار، تتقدم"الجبهة"على الحزب الاشتراكي واليسار. ولن ترتخي قبضة الشعبوية المتطرفة إذا لم تتقلص معدلات البطالة وتتحسن القدرة الشرائية ويلوح بصيص الأمل في الأفق. وحين ينشغل اليسار بالتنديد بالحكومة، ينفخ في الشعبوية من غير أن يستميل الناخبين. فهو يلهب مشاعر الاستياء من غير أن يقطف ثماره، ويخدم أهداف"الجبهة الوطنية"إذ يصبغ المطالب الشعبوية بصبغة المشروعية. * محلّل، عن "ليبراسيون" الفرنسية، 20/6/2013، إعداد م.ن.