قبل 15 سنة، قصد الممثل اللبناني الشاب سليم علاء الدين، مصطفى نصري شمس الدين، ليعلمه عن عزمه على تكريم والده الفنان الراحل"تكريماً يليق به". كان علاء الدين في ال 16. ولم تتحقق أمنيته إلا هذه السنة،"بعدما نضجت الظروف". بيد أن التكريم اليوم، يأخذ منحى غير تقليدي. هو عبارة عن"تحية"للفنان الراحل. تحية تتواصل سنة، ضمن فعاليات"سنة نصري شمس الدين"التي انطلقت بنشاطات موسيقية وثقافية وعروض مسرحية في آذار مارس الماضي، وتستمر إلى تشرين الأول أكتوبر المقبل. قد تُقرأ التحية على أنها التفاف على هواجس الفنانين اللبنانيين من الخلود في النسيان. في لبنان، عادة ما يقتصر التكريم على الدروع التقديرية. وخلافاً لهذا المنطق التذكاري، كانت الاحتفالية بنصري شمس الدين، في الذكرى الثلاثين لغيابه، أكثر شمولاً. تنطلق من إيمان العائلة بتخليده في ذاكرة الجيل الجديد. وإيمان المنظمين، ومنهم"الحركة الثقافية في لبنان"والممثل سليم علاء الدين، بصوته. بالنسبة إليه،"شكل نصري حالة فنية مستمرة منذ أيام الطفولة". وهو"سبب عشقي للفن، والاتجاه إلى احترافه". وتهدف الاحتفالية إلى"تذكير الناس بأعمال الراحل، أو حتى لتعريف البعض عليه"، نظراً إلى جهل كثيرين به. يختلف الموسيقيون والمتابعون على تجربة نصري شمس الدين الغنائية. يجمع معظمهم على أن الفنان الراحل"مهدور حقه". بنظرهم، كان يستحق تقديراً أكبر، وشهرة أوسع من تلك التي حققها. لكن قائد الأوركسترا السمفونية الشرق - عربية في الكونسرفتوار الوطني أندريه الحاج، يخالفهم الرأي. ويقول ل"الحياة"إن نصري"نال حقه من الشهرة والتألق". ويستند إلى انه"ارتبط اسمه بالأخوين رحباني وفيروز، حتى بات ملاصقاً لأسمائهم". لا يفصل الحاج بين هوية الفنانين الأربعة وتجربتهم. ويشير الى ان نصري، الذي يتمتع بمقدرات غنائية كبيرة، يختلف عن الفنانين الآخرين بأنه كان مؤدياً غنائياً، وليس مؤلفاً موسيقياً أو ملحناً أو كاتب أغنيات. قد يكون ذلك من أهم الأسباب التي دفعت الى الاعتقاد أنه لم ينل حقه. ويضيف:"برز نصري كأهم مطرب في المسرحيات الغنائية، والمسرح التمثيلي". وعليه، لم يكن"مغنياً فردياً". وفي هذا السياق، يقول الحاج، يمكن القول إنه مطرب من أعلى درجة. كاراكتير الصوت ويتوقف الحاج عند مقدرات شمس الدين. ويعتبره"الفنان الوحيد الذي امتاز بكاراكتير خاص بصوته". و"كاراكتير الصوت"، هو الهوية الخاصة، والشخصية، وقوة الصوت وتميزه. ويفتقد كثيرون من المغنين اليوم، وفق الحاج، تلك الميزة:"لنصري صوت تمثيلي، ومقدرة على التمثيل بالصوت، غير موجودة عند الآخرين". على هذا الأساس، اختير للمسرح الغنائي في مصر بداية، وتم اعتماده في مسرح الأخوين رحباني. بصوته،"يعالج الكلمة"، اذ يبدو الصوت"مطواعاً"مع الثورة في مسرحية"بترا"للأخوين رحباني، و"متواضعاً"في مسرحية"لولو". وبهذه الميزة، يقول الحاج،"تفوق نصري على أترابه وزملائه"، حتى"وقّع مع الأخوين رحباني تاريخ الفن اللبناني". كل تلك الأسباب، ساهمت في التحضير لتخصيص سنة نصري شمس الدين. تأتي الاحتفالية ضمن سلسلة أشمل من التكريمات للفنانين اللبنانيين، مثل فيلمون وهبي وزكي ناصيف ونور الهدى وأيلي شويري وغيرهم، الأحياء منهم والأموات. وفي ظل"الحالة التي تعصف بالساحة الفنية في هذا الوقت"، يقول علاء الدين ل"الحياة"، كانت أهم أسباب المبادرة"غربتنا عن تراثنا وعن الفنانين الراقين الذين سبقونا". ففي لبنان، يضيف،"هناك إهمال كبير للفنانين والفن". ويدين علاء الدين الحجج المتعلقة بالوضع السياسي، أو الأمني المتردي التي تحول دون تكريم الفنانين رسمياً. ويشير الى ان الفنان اللبناني"هو اكثر من يحاول أن يرقى بالمجتمع وواجهته الحضارية". وفي سياق متصل، يحمّل المبادرين جانباً من المسؤولين، لأن"المطالبة تحتاج الى ضغط على الرسميين". ومن دونها،"لا حلول لحضّ الجهات الرسمية على النظر الى تكريم الفنانين". ينظر المنظمون الى نصري بوصفه"فناناً شاملاً وقديراً، يتمتع بخامة صوتية مميزة دفعت المعهد الموسيقي البلجيكي في بداية حياته الفنية إلى إعطائه منحة لدراسة الموسيقى في بلجيكا، بُعيد لقائه في مصر". والتحية له، تتخطى التكريم"لأن الفنان لا تكرّمه الا أعماله". وفي جزء منها، مبادرة لتكريم المنظمين أنفسهم بتوجيه التحية إلى نصري. ويقدمون الشكر لجمعية"لبناني"و"الحركة الثقافية في لبنان"اللتين اهتمتا وواكبتا المبادرة بتقديم دعم معنوي ومالي لكل أنشطتها. ويتطلع المنظمون والعائلة الى اهتمام رسمي، يتجسد بتسمية أحد شوارع بيروت باسمه، وأخرى بأسماء فنانين آخرين. كذلك، يطالبون بوضع صورة له في مطار بيروت الدولي، لتذكير القادمين بهوية الفن اللبناني. كما يطالبون رئيس الجمهورية ميشال سليمان بالمبادرة إلى إصدار طابع بريدي، قبل نهاية الاحتفالية بنصري، يحمل صورته. تتواصل"سنة نصري شمس الدين"خلال الصيف، وتختتم الاحتفالات في الخريف بمهرجان حاشد في قصر اليونيسكو، سيرعاه مسؤولون سياسيون كبار. وتأتي هذه النشاطات عقب"أسبوع الطربوش"، وفعالية"نصري سامحنا"، وسهرات أحياها بعض الفنانين كجوزيف عيسى وعدد من الأساتذة والطلاب في المعهد العالي للموسيقى كونسرفتوار.