التفتت الشقراء بوجه شاحب وخطوط سود تملأ أسفل عينيها الزائغتين النظرات إلى أبناء ضحيتها قائلة: «أطلب منكم الصفح، وإن كنت أعلم أنه ليس من السهل غفران ما ارتكبته، لقد كان من أروع الرجال»، فانتفض وكيل النيابة قائلاً بصوت جهوري: «سيدتي، إن كان مثلما تقولين من أروع الرجال فلا يوجد مبرر لقتله رمياً بالرصاص». عندها راحت القاعة تستذكر كيف روت القاتلة تفاصيل جريمتها في شباط (فبراير) 2005 بعد 15 يوماً من التحقيق وعشرات الأدلة ضدها لتعترف: «أحسست بشيء ينفجر في رأسي عندما قال لي إن مليون دولار مبلغ كبير على عاهرة، أدركت أنه لن يتزوجني ولا يحبني، نظرت إليه في تلك البدلة المطاطية التي تكبل جسده بالكامل فأحسست في تلك اللحظة أنني أصوب المسدس إلى دمية وليس إلى إنسان. انطلقت الرصاصة الأولى بين عينيه، فانكفأ على وجهه، ثم عاجلته بالثانية في رأسه، ثم ثالثة فرابعة في صدره وهو مسجى على الأرض، مثلما علمني كيفية قتل الحيوانات القوية، فمن لم يمت بالرصاصة الأولى مات بالطلقات الأخرى». كان هذا هو المشهد الأخير من القضية التي شدت اهتمام الرأي العام الأوروبي لمتابعة تفاصيل مصرع رجل الأعمال الفرنسي المعروف ادوار ستيرن على يد عشيقته سيسيل بروسار في جنيف، والتي حكم فيها القضاء السويسري هذا الأسبوع بسجن القاتلة 10 سنوات، على رغم مطالبة النيابة بتوقيع عقوبة تصل إلى الحبس 20 سنة. القتيل رجل خمسيني سليل أسرة فرنسية عريقة ضاربة في السياسة والاقتصاد، والنجاح المهني الذي قاده الى أرفع المناصب والى احتلال المرتبة الثامنة والثلاثين بين أثرياء فرنسا. آثرت زوجته التي لا تقل حسباً ومالاً عنه الطلاق في عام 1998 لرعاية أبنائهما الثلاثة بعيداً من حياته التي لم يكن كثيرون يعرفون تفاصيلها. أما القاتلة سيسيل ففي الخامسة والثلاثين وهي نتاج مجتمع أوروبي أقنعها بأن كل شيء قابل للمساومة. كانت إحدى أمسيات صيف عام 2001، عندما التقى إدوار بسيسيل على عشاء لدى أحد تجار اللوحات في باريس، وسرعان ما أصبحت سيسيل عشيقة ادوار يلتقيها وقتما يشاء في إحدى شقق جنيف الفاخرة، ثم «سكرتيرة متفرغة لنزواته»، بحسب وصفه لها، بل كان يقدمها إلى أصدقائه إذا اقتضى الأمر وتحت أي ظروف، إذ روى الشهود أمام المحكمة أنه أرغمها ذات مرة على إرضاء نزوة أحد أصدقائه أمام الجميع في إحدى سهرات المجتمع المخملي في جنيف، هي التي فرت من حياة الفقر في قرية فرنسية لتحترف بيع الجسد للأثرياء، ثم تعمل بائعة في المطار قبل أن تتزوج من سويسري لم تكن قنوعة بحياتها معه. حجر الزاوية في تلك العلاقة غير الطبيعية، كان في نهاية 2004 عندما طالبت البليونير بمليون دولار «كدليل على حبه لها ولتأمين مستقبلها»، وعندما رفض هجرته لتعيد الاتصال به مؤكدة أنها «لن تأخذ المليون بل تريد الشعور بأنه يحبها بالفعل بتحويل هذا المبلغ لحسابها، وأنها ستعيده إليه مرة أخرى تأكيداً له على أنها لا تريد المال، بل لأنها تحبه». امتثل لطلبها، ففتح لها حساب المليون، وانتظر تنفيذ وعدها له بإعادة المبلغ فأبت، فما كان منه، وهو من ذوي النفوذ، إلا أن استصدر حكماً قضائياً بتجميد الحساب. ثم كان اللقاء الأخير بينهما في 28 شباط 2005 في شقته الفاخرة. تبادلا أطراف حوار لم يدم طويلاً حول المليون لتتركه جثة هامدة، وتتجه إلى بحيرة جنيف لتلقي فيها سلاح الجريمة.