لن يستطيع الرئيس تمام سلام على ما يبدو تشكيل حكومته في ظل التجاذبات الراهنة بعد أن غير حزب الله قواعد اللعبة. ففي ما مضى وبعد اندلاع الثورة السورية اتخذت الحكومة اللبنانية موقف النأي بالنفس تجاه الأحداث السورية بصفته الموقف الملائم لمصلحة الدولة العليا. ففي مجتمع منقسم بين مؤيد للنظام السوري وآخر معارض له كان هذا الموقف يمثل المظلة السياسية لتماسك الدولة ومؤسساتها، هذا مع العلم أن الأطراف على الأرض لم يمتنعوا عن تقديم الدعم ولو في شكل غير معلن لهذا الطرف أو ذاك. صيغة النأي بالنفس، بلا شك، صيغة عرجاء، ولكن تبقى أفضل الممكن أمام التجاذب الحاد على الأرض وفي الشارع حول ما يجري في سورية. حزب الله غيّر قواعد اللعبة بإعلانه رسمياً التزامه القتال إلى جانب النظام السوري وهو لا يمكن إقصاؤه عن الوزارة بفعل موقعه من الطائفة الشيعية. وهو لا يطالب بتمثيله في الوزارة وفقاً لحجمه فحسب إنما أيضاً يصرّ على أن يتمتع بالثلث المعطل، أي بحق الفيتو في القرارات الأساسية. لا يطمع حزب الله بكرسي وزاري ولكن، في حساباته الاستراتيجية يحتاج أن يكون له دور فاعل ومؤثر في السلطة الإجرائية وهذه الحاجة تتضاعف بعد إعلانه الرسمي الاصطفاف بجانب النظام السوري. واعتباراته هنا ليست لبنانية إنما ترتبط بموقعه على الساحة الدولية. فحضوره كطرف فاعل في الحكومة اللبنانية يحصنه ولو بمقدار من الضغوط الخارجية أوروبياً وعالمياً والتي يمكن أن تزداد وتزيد عزلته على الساحة الدولية بعد مواقفه الأخيرة. كان الرئيس تمام سلام يطالب بحكومة حيادية ليس فيها مرشحون، ودورها إجراء الانتخابات النيابية، ثم تدرج الموقف إلى قبول وزارة تضم مقربين من فرقي 8 و14 آذار، لكنه من الصعوبة بمكان أن يستجيب لمطالب حزب الله في تشكيل الوزارة. فإعلان حزب الله اصطفاف كتلته إلى جانب النظام السوري سيقابله إعلان 14 آذار اصطفافها مع الثورة السورية. ومطالبته بالثلث المعطل سيقابله مطالبة الفريق الآخر بالثلث المعطل أيضاً. وهنا، ننتقل من موضوع تشكيل مجلس الوزراء لدولة موحدة على شاكلة مختلف الدول إلى مشروع تشكيل هيئة على شاكلة مجلس الأمن تضم دولاً مختلفة تمتع كل منها بحق النقض وحق النقض المضاد. ما يخالف كل عقل ومنطق وما يجعلنا نستبعد دخول الرئيس المكلف بهذه المعمعة. لا نريد أن نخوض في سياسات حزب الله الراهنة. في أبعادها المختلفة، وقد كُتب الكثير في هذا الموضوع، والسجال على أشده. إنما ما يمكننا استنتاجه أنه من الصعوبة بمكان التوافق على تشكيل وزارة ضمن المعطيات الراهنة. كما لا يبدو الاتفاق على قانون انتخاب أمراً في متناول اليد في الأزمة الراهنة. كيف ستتدبر أمرها الطبقة السياسية في ظل حكومة مستقيلة قد تستمرّ لأجل غير مسمى، ومن دون وفاق على قانون انتخاب ونحن على مشارف موعد الانتخابات النيابية؟ ما هو دور الداخل ودور الخارج في بلد تتقاذف حكامه أهواء الخارج وصراع الخارج في هذه الأيام على أشده؟ لا بد لنا أن نطلب من السماء أن تتدخل في أمور الأرض لكن العجائب في هذا العصر أصبحت نادرة. * كاتب لبناني