ابتكرت آلة الهارب الموسيقية في زمن الفراعنة. وتصوِّر رسومهم المتعددة على جدران المعابد والمقابر كيف كانت هذه الآلة تقود طقوسهم الدينية واحتفالاتهم القومية المتعلقة ببطولاتهم وأمجادهم وبنهر النيل شريان حياتهم. تعتبر الهارب من الآلات النادرة، ولا نراها في الحفلات التي تنظم على مسارح الأوبرا وفي حفلات صندوق التنمية الثقافية في المسارح الأثرية في الحسين والسيدة، كقصر الأمير طاز ووكالة الغوري وقصر السحيمي وغيرها. ومنال محيي الدين واحدة من قلة تعتقد أن أنغام هذه الآلة لا تضاهيها أنغام أخرى، وقدمت أخيراً أمسية حالمة في القاهرة مع فرقتها من عازفين على آلات الكمان والناي والرق والدرامز والكيبورد والتشيلو. تنقر منال بأصابعها الرقيقة على أوتار الهارب أعذب الألحان مثل"ليالي الأنس في فيينا"التي أعدها ووزعها خالد عويضة، موسيقى رقصة عزيزة للراحل محمد عبد الوهاب، و"نسّم علينا الهوى"وأروع أغنيات فيروز. أحبت منال آلة الهارب منذ طفولتها، وكان والدها محيي الدين حسين، الذي يعتبر من رواد فن الخزف في مصر، عاشقاً لآلتي العود والكمان، ما ساعد على تثقيف ابنته موسيقياً. خاضت معترك الفن حين سجلها والدها في الكونسرفاتوار وهي في العاشرة، بعدما لمس لديها موهبة وحباً للموسيقى، فاحتضنتها ناهد ذكري لتعلمها العزف ووجهتها إلى آلة الهارب. لآلة الهارب جمالياتها الموسيقية التي تجعلها تبدو كعروس في أوركسترا القاهرة، فهي تصدر صوتاً حنوناً ينبعث من تجويفها الخشبي المشدودة عليه الأوتار، كما تقول منال. وتوضح أن هذه الآلة انتشرت مع انتشار الحضارات لتوظيفها في الطقوس الدينية في المعابد والاحتفالات مع الرقص، واستمر ذلك على امتداد الحضارات الآشورية وما بين النهرين وفي آسيا وعند الإغريق الذين صنعوا آلة تشبهها تسمى"لير"، وانتقلت الآلة أيضاً إلى الرومان، ومنها إلى أوروبا حتى أصبحت من الآلات الكلاسيكية الأوروبية الشهيرة. ولكن لماذا لم تنتشر هذه الآلة في فرق موسيقية؟ تجيب منال:"قد يكون سعرها الباهظ سبباً رئيساً لذلك، ففي بداياتي لم أملك المال الكافي لاقتنائها، وبعد سفري إلى ألمانيا بمنحة من الحكومة الألمانية لمتابعة الدراسة، اشتريت الآلة بعدما حصلت على أعلى شهادة في هذا التخصص والتي تعادل الدكتوراه في مصر، وهي الدبلومة المتخصصة الألمانية". وتضيف:"بغض النظر عن سعرها، فان غالبية الجيل الجديد لا تعرف أهمية هذه الآلة، لذلك نحن بحاجة إلى التعريف بها، والإكثار من الحفلات لتصل إلى أكبر فئة من الجمهور". شاركت منال في العديد من الحفلات والمهرجانات، وقدمت حفلات منفردة أو مع فرق موسيقية خارج مصر عن طريق وزارة السياحة أو الثقافة، كما مثّلت بلادها في المؤتر الدولي للهارب الذي يعقد كل ثلاث سنوات في الولاياتالمتحدة. وتشير منال إلى أن آلة الهارب تلقى إعجاباً من جمهور الموسيقى الكلاسيكية، وتتمنى أن تكون ضمن آلات العزف الموسيقية الشرقية، مثل فرقة فتحي سلامة وفرقة عمر خيرت وفرقة بنات النيل، وهي من مؤسِساتها.