الأزمة الإيرانية التي لا تنتهي، والمستمرة منذ عقد من الزمن، هل وصلت الى نقطة انعطاف في الاجتماع الأخير في كازاخستان نهاية شباط فبراير؟ مجموعة"5+1"، التي تمثل عملياً المجموعة الدولية، قدّمت لإيران"حزمة"جديدة ترمي إلى إعادة بناء الثقة والانخراط في مفاوضات حول البرنامج النووي. العرض الجذاب اكثر من سابقيه، يدعو إلى الحد من المطالب الفورية التي يتعين على إيران التقيد بها -في مجال تخصيب اليورانيوم الى 20 في المئة، وهو أكثر ما يدعو الى القلق- في مقابل تخفيف محدود للعقوبات. ولكن، انظروا ماذا حدث: وفق ما يظهر منذ بضعة أيام في الإعلانات الرسمية وفي صحافة طهران وفي تعليقات"الخبراء"الإيرانيين، جرى تفسير العرض كبداية تراجع، فهم يعتقدون بأن المجموعة الدولية بدأت بقبول المواقف الإيرانية، وبأن صبر طهران آتى أُكُلَه في نهاية الأمر، ويكفي أن تنتظر إيران قليلاً بعد حتى تبلغ مراميها. بكلمات أخرى: فُسّرت نياتنا الحسنة كعلامة ضعف. هل اتخذ مرشد الثورة آية الله خامنئي، وهو صاحب الكلمة الفصل في هذا المجال، القرارَ بصنع القنبلة؟ ليس ذلك أكيداً، لكن الجلي أنه كلما اقتربت إيران من العتبة النووية، كلما ازداد الإغراء بتجاوزها. ومنذ 1945، تبنت كل الدول التي استثمرت المقدار الذي استثمرته إيران في المجال النووي، الخيارَ النووي العسكري، باستثناء تلك التي أَوقف جهودَها تغييرٌ في النظام البرازيل أواخر الثمانينات أو صراع دولي العراق في 1991. ما العمل اذاً؟ على استراتيجية المجموعة الدولية استيعاب أربعة عناصر: اولاً، ينبغي عدم إظهار ضعف في ما يتعلق بمطالبنا الفورية حول تخصيب اليورانيوم الى مستوى 20 في المئة، وهو ما تستغله إيران لكسب الوقت وتجنب ضربة إسرائيلية. ثانياً، إعادة التدقيق في العقوبات من خلال تركيز جهودنا ليس فقط على ما يمس البرنامج النووي مباشرة ?والتي أظهرت فاعليتها في إبطاء البرنامج- بل أيضاً على تلك المؤثرة في الممتلكات الشخصية للمسؤولين الإيرانيين والحرس الثوري، الذين غالباً ما يكونون من رجال الأعمال. وفي وسع العقوبات أن تعطي نتائج لكنها لن تكون مؤثرة إلا على المدى الطويل. ولن يحصل ذلك إلا عندما تترك أثراً جدياً على السلطة الإيرانية. وواقعُ أن طهران وافقت على العودة إلى طاولة المفاوضات يُظهر أن تعزيز العقوبات كان مجدياً. وبالنسبة إلى الإيرانيين، فهم يعانون معاناة كبيرة من الإدارة الاقتصادية الكارثية اكثر مما يعانون من العقوبات. ثالثا، إقناع إيران بأن هناك مخرجاً فعلياً من الأزمة، يتيح لها إنقاذ ماء الوجه. ومعروفة هي النقاط الأساسية في الحل البعيد المدى: بعد فترة من إعادة بناء الثقة، سيصبح ممكناً تخصيب اليورانيوم إلى ما دون 5 في المئة، ما إن تحوز الوكالة الدولية للطاقة الذرية على حرية التفتيش الكاملة في البلاد، وعندما تعلن رضاها حيال قدرتها على التحقق من المواد النووية التي لا يمكن استخدامها إلا للأهداف السلمية. وتؤكد الوكالة اليوم أنها غير قادرة على تقديم هذه الضمانات. وتكمن المشكلة في أنه حتى المستعدين في إيران للتخلي عن الخيار العسكري، يبدون مقتنعين بأن الدول الغربية تريد تغيير النظام، وأن طهران إذا تراجعت"نووياً"ستتعرض الى تصعيد للضغوط السياسية. علينا إقناعهم بأن ذلك غير صحيح، فلا مجال للتخلي عن الديموقراطيين الإيرانيين والتضحية بحقوق الإنسان على مذبح منع الانتشار النووي، ولكن تنبغي معرفة كيفية فك ارتباط الملفين. رابعاً، ينبغي إقناع طهران بأن استخدام أميركا القوة خيار جدي، ولو كان الأداة الأخيرة: لا أحد يتمنى، أو حتى يوصي بعمل عسكري ضد إيران، ولكن في نهاية حرب الخليج الأولى، كان الخوف من خوض حرب ضد الولاياتالمتحدة عاملاً حاسماً في قرار الإمام الخميني طلب وقف النار. فالمهم عند المسؤولين الإيرانيين احتفاظهم بسلطاتهم، وهم بلا ريب لا يخشون هجوماً إسرائيلياً، سيكون محدوداً بالضرورة، بل يمكن -في رأيهم- أن يرفع مكانة النظام. أما الهجوم الأميركي، فسيكون أكثر اتساعاً ويمكن أن يؤثر على مرتكزات السلطة الإيرانية، كما على قواعد الحرس الثوري ومراكز قيادته. وخاطئ هو الاختصار الشائع للأزمة النووية بصدام مع أميركا: في هذه المسألة تقف الأممالمتحدة ضد إيران، ويؤدي الأوروبيون دوراً أساسياً، بيد أن المفتاح يظل في واشنطن. ويبذل باراك اوباما كل ما في وسعه، وقد رفضت إيران مجدداً في شباط عرضه إجراء مفاوضات من دون شروط مسبقة. ولا ينبغي التشكيك في عزمه على منع طهران من تجاوز العتبة النووية. وتريد واشنطن ألا تبادر إسرائيل الى عمل قد يتحول كارثة على المنطقة، خصوصاً في زمن الحرب في سورية -حيث يتفاقم التدخل الإيراني- والتي تهدد بضرب استقرار لبنانوالعراق. ولكن ينبغي خصوصاً إقناع خامنئي بأن متابعة الجهود الإيرانية لا يمكن أن تسفر سوى عن تهديد سلطته الشخصية والنظام ذاته. * باحث بارز في"مؤسسة البحث الاستراتيجي"، عن"لو موند"الفرنسية، 20/3/2013، إعداد ح. ع.