تحت شعار"نهوض... نحو خارطة ثقافية جديدة"انطلقت في الشارقة الدورة الحادية عشرة من بينالي الشارقة الذي يسعى الى إعادة تقييم المعرفة في العصر الحديث، وإعادة النظر في العلاقات بين العالم العربي وآسيا والشرق الأقصى وشمال أفريقيا وأميركا اللاتينية. تتزاحم الفنون البصرية من تشكيل وفيديو آرت ومنحوتات وتصوير ضوئي الى جانب الموسيقى والسينما وغيرها من الفنون التي تشكل في مجملها فضاء البينالي الذي يستقطب مشاركين من ثقافات مختلفة، إذ تتباين الرؤى والمواضيع، وتختلف التقنيات والاساليب غير ان ثمة هموماً وهواجس مشتركة تجعل من هذه المناسبة فرصة للنقاش وتبادل الخبرات والمعارف، وجسر الهوة بين ثقافات الشعوب عبر فنون تخاطب الذائقة والوجدان بوسائل متنوعة. تتمحور هذه الدورة حول مفهوم الفناء أو الساحة في العمارة الإسلامية كفضاء يحتضن ذاكرة الثقافة المحلية، ويساهم في إنتاج معرفة جديدة من خلال التبادل واللقاءات التي يستضيفها، وعلى وجه الخصوص، الفناء والساحة التاريخية في الشارقة، حيث تتشابك عناصر من الحياة الخاصة والعامة، وتتداخل القصص والحكايات في جدال متواصل لا ينتهي. وتقوم فكرة البينالي لهذه الدورة المستمرة حتى الثالث عشر من أيار مايو المقبل على ان الساحة او الفناء يشكل عالماً مصغراً خاصاً وحيزاً لإنتاج الوعي والمعارف الجديدة، ومساحة للاختبار والتجريب، ووفقاً لهذا الفهم سوف تجد اعمالاً فنية تعكس هذا المعنى وتوظف تقنيات متعددة تقوم على التجريب وعلى مقترحات جمالية وبصرية مبتكرة تتواءم مع الفكرة الرئيسة، وتطمح الى تجسيد شعار الدورة. وما يلفت النظر هو هذا العناق بين الفنون الحديثة والتكنولوجيا المتطورة وبين عبق الماضي في منطقة التراث بالشارقة التي تحتضن الفعاليات والاعمال الفنية. الزخارف الاسلامية والرموز التراثية تتجاور مع تشكيلات بصرية منفذة بأحدث التقنيات. ويمكن المتلقي أن يلمس تداخلاً متناغماً بين المدارس الفنية في المجالات المختلفة من التجريد الى السوريالية الى التجريب والواقعية. الخيال الجامح يسير الى جانب حرارة الواقع وهذا يمنح البينالي خصوصية تعيده الى الماضي البعيد حيناً، وتدفع به نحو المستقبل في حين آخر سعياً نحو معرفة الذات والآخر. هذه الطروحات والافكار جاءت على لسان رئيس مؤسسة الشارقة للفنون، الشيخة حور بنت سلطان القاسمي، التي أشارت الى أن الدورة الحالية من البينالي تجمع أطيافاً من الفنانين والمعماريين والموسيقيين، من الذين تطرقوا إلى قضايا الهوية والهجرة والتجارة والتأثير والطروحات الثقافية، مضيفة أن"الشارقة توفر بيئة غنية للنقاش بوصفها حاضنة لبيئة كبيرة من المهاجرين الذين أغنوا بتعددهم المشهد الثقافي المحلي، إذ يمكن أن نلحظ بعض آثار هذه التأثيرات في اللغة والمأكل وفي نواحٍ عدة من الحياة اليومية، لذلك نأمل أن تسهم هذه الدورة من البينالي في تشجيع المزيد من التفاعل وإلقاء الضوء على تشكل ثقافات جديدة". واختارت القيّم العام للبينالي الفنانة اليابانية يوكو هاسيكاوا الفنانين والمعماريين والمخرجين والموسيقيين الذين تحاكي أعمالهم ثيمة البينالي، وتعبر عن التنوع الثقافي وعن المفاهيم الجديدة"لأشكال الحوار والتواصل والتبادل، والإنتاج من خلال الفن والممارسات المعمارية التي تعكس طرقاً جديدة من المعرفة والتفكير والشعور". وما يحسب لمنظمي البينالي هو انهم صنعوا تمازجاً بين ملامح مدينة الشارقة وبين الاعمال والانشطة الفنية، فكل زائر او عابر للمدينة سيجد جانباً من الفعاليات او سيسمع شيئاً من الايقاعات الموسيقية، او سيرى مقطع فيديو على جدار في الهواء الطلق، وكأن المدينة بحد ذاتها تحولت الى مسرح كبير يحتضن الفنان والمتلقي معاً. لقد اتسعت منطقة الفريجة التي صممتها المعمارية اللبنانية منى المصفي، والكائنة في منطقة التراث، لعدة أعمال فنية في الهواء الطلق صنعها فنانون من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى عروض موسيقية جوالة كالعرض الباكستاني الذي تألف من خمسين عازفاً ومغنياً مشكلاً لوحة فنية بديعة صورة وصوتاً. وقد تم استغلال المساحات الواسعة في منطقة التراث لعرض الأعمال الفنية، التي يحتاج بعضها إلى مساحات شاسعة، نظراً الى حجم تلك الأعمال التركيبية، إذ تمكنت المؤسسة من توزيع الأعمال على أربع مناطق رمزت لكل منها بلون، فالمنطقة الحمراء هي المساحات الجديدة التي استحدثتها المؤسسة، والمنطقة الخضراء هي ساحة الخط العربي، والمنطقة البرتقالية ترمز الى شارع البنوك، والمنطقة الزرقاء هي منطقة فنون الشويهين. ومثل هذا الامتداد لفعاليات البينالي ضمن أمكنة مختلفة في المدينة يخلق نوعاً من الحوار والسجال، ولعل هذا الحوار هو أحد اهداف البينالي الذي يتطلع الى التركيز على المشترك الانساني، وإظهار جماليات الفنون السمعية والبصرية التي تلامس مشاعر الفرد بمعزل عن لغته وجنسه ومنطقته وهويته. يضم البينالي أكثر من مئة مشارك، من أربعين بلداً، من الفنانين والمبدعين والمهندسين المعماريين والمخرجين والموسيقيين وفناني الأداء، والذين تحاكي أعمالهم ثيمة البينالي: تعقيدات وتنوع الثقافات والمجتمعات، الصلات المكانية والسياسية، المفاهيم الجديدة لأشكال الحوار والتواصل والتبادل، والإنتاج من خلال الفن والممارسات المعمارية التي تعكس طرائق جديدة من المعرفة والتفكير والشعور. ويحفل برنامج البينالي، الى جانب العروض الموسيقية والسينمائية وعروض الأداء، بالعديد من الندوات التي يقدم فيها الفنانون من مختلف الثقافات مقترحاتهم وافكارهم، إلى جانب الندوات التخصصية والبرامج التعليمية بما يعكس روح البينالي ودوره في ان يمثل جسراً ثقافياً بين الفنانين والمؤسسات الفنية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي. ويتخلل البينالي هذا العام لقاء آذار مارس 2013 وهو تجمع سنوي عالمي يضم الفنانين والعاملين في قطاع الفنون البصرية، والمؤسسات المعنية بإنتاج ونشر الفنون على الصعيد الدولي والإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب آسيا، وجرت العادة ان تتم خلال هذا اللقاء دعوة المشاركين للانخراط في سلسلة من الحوارات وجلسات النقاش التي تحاول تأطير المفاهيم التي يتناولها البينالي.