على مدى سنتين أصرّ التلفزيون السوري على إظهار النظام بالمظهر العلماني ووصفه بآخر معاقل العلمانية في المنطقة، متهماً جهات سلفية وجهادية باستهداف نظام الممانعة، ومصوّباً سهامه على معظم دول العالم بما فيها أميركا وأوروبا وقطر والسعودية بدعم الجهاديين ضد فكره المتمدن، لإسقاط معقله العلماني ضمن مؤامرة كونية تستهدف البلاد والرئيس بشار الأسد. يأتي إعلان مجلس الإفتاء الأعلى وعبر التلفزيون الرسمي السوري الجهاد، واعتباره فرض عين على السوريين والعرب والمسلمين "إن الجهاد ضد كل من وقف واستهدف سورية هو فرض عين، ليس على السوريين فحسب، وإنما على كل الدول العربية والإسلامية"، ليغير المعادلة التي انتهجها التلفزيون لفترات طويلة وجهد خلالها لإظهار الطابع العلماني للنظام السوري. فعلى رغم استضافته رجال دين مسلمين أو مسيحيين، إلا أنّ المساحة التي يأخذها هؤلاء غالباً ما كانت قليلة مقارنة ببقية الفئات التي تدعي العلمانية والمدنية. لكنّ إعلان الجهاد العام، مرفقاً مع النفير العام، غيّر المعادلة، إذ بدأ التلفزيون السوري في خطوة مفاجئة ببث أناشيد سلفية وجهادية، في سابقة على مستوى الفضاء الرسمي السوري. وإذا كانت خطوة إعلان الجهاد العام كفرض عين أثارت ردود فعل مستغربة وساخطة على النظام السوري الذي أعلن الجهاد على جماعات جهادية، فيما تساءل آخرون كيف يعلن الجهاد وهو لا يسمح بالصلاة خلال الخدمة العسكرية وغيرها من التعليقات والاستغرابات، ولكن يمكن أن تفسر هذه الخطوة من خلال عاملين أساسيين متعلقين بالنظام، الأولى تتلخص بالنقص الحاد في العناصر البشرية في جيشه النظامي بعد مقتل عشرات الآلاف، وانشقاق عشرات آلالاف، ما يجعله في حاجة لرصيد بشري، يمكن أن يحصل عليه من خلال هذه الخطوة. والثاني في أن إعلان الجهاد للعرب والمسلمين يعطي تشريعاً لوجود عناصر الحرس الثوري الإيراني وعناصر"حزب الله"اللبناني على الأراضي السورية، ويمهد لدخول عناصر جديدة من هاتين الجهتين في الأيام المقبلة. والأكيد أن خطوة التلفزيون السوري في بث ابتهالات وأناشيد جهادية وسلفية غير مفهومة، وتبرز تناقضاً جديداً في آلية عمل هذه المنظومة، يضاف إلى التناقضات الكثيرة التي أتحفتنا بها خلال العامين الماضيين. ولا يختلف اثنان على أن التلفزيون السوري هو الناطق الرسمي باسم النظام، ولا يمت للمواطن بصلة، ولكن أن يصل إلى هذا الحد فهو أمر لافت. فإذا كان التلفزيون السوري ملزماً بنشر بيان من مجلس الإفتاء الأعلى السوري، ولو توقف عن ذلك فالأمر مفهوم، ولكنه مع إعلان الجهاد، تحول من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، من دون أن يأبه بصورته أو صورة العاملين فيه، أو بحجم النفاق الذي يقدمه. ويبدو أن المثل الأعلى لهذه المؤسسة هو"الغاية تبرر الوسيلة"مهما كانت هذه الوسيلة.