لم تفقد الثورة السورية كل ما حملته من رومانسيات تغيير لم يزل ممكناً على رغم كل شيء. بل إن ما طرأ على مسارها، وبفعل الذاتي والموضوعي، أبقى منها ذكريات شاعرية طوّح بها التطرف والعنف في الهواء. وهو عنفٌ ابتدأ أسدياً ولم يزل، وإن بات يسير اليوم على محاذاة تطرف وعنف ديني في صفوف جل المقاتلين ضد الأسدية. جبهة النصرة ليست المثال الوحيد لكنها الأوقح حتى الآن. وبعد كل ما جرى ويجري، لم يعد ثمة معنى مهم لاجترار مقولات رتيبة ومحقّة حول مسؤولية النظام عن كل ذلك العنف والتطرف وفتح الحدود على مصراعيها أمام مقاتلين غير سوريين، ذلك ان هذا القول المُحِق بات مستهلكاً وتبريرياً لغياب اي نقد حقيقي من داخل المعركة الأخلاقية والسياسية والميدانية مع الأسد، والتي لا نستبعد أن تستنزف ما تبقى من عقل في سورية، إن قدّر للانسداد وغياب آفاق التغيير أن يبقيا جاثمين على صدور السوريين. "الأسد أو نحرق البلد... الأسد أو لا أحد"... هما خياران سوّقهما النظام وشبيحته. إما أن يبقى الأسد او ان تحترق البلد في ظل فراغ لا يغطيه"إلا ذلك الأسد". ما لوح به النظام وسدنته وعبيده صار أمراً واقعاً: احترق البلد وتكرس"اللاأحد"خياراً إن زال الطاغية، وكل فراغ سيشهد جبهة نصرة ومقاتلي قاعدة وشيشانيين وأفغانيين وغيرهم ممن يجد مثقفون سوريون معارضون في وجودهم وقتالهم على أرض سورية"خطأ فردياً في مسار الثورة". ثورتنا السورية اليوم أمام خيارين يستويان انسدادين: صعوبة زوال الأسد قريباً، وواقع إحراق البلد... صعوبة زوال الأسد قريباً، ورسوخ اللاأحد إن زال الأول، غير مأسوف عليه طبعاً. وعلى أطلال ما بدأت به الثورة، تتضافر قصائد ومقالات وأهازيج صحافية و"فايسبوكية"لا تبكي على تلك الأطلال ولا تفكر بالمناسب لتجاوز المأزق، على الأقل انسجاماً ثقافياً وفكرياً مع الذات، بل تُشيع مناخات التفاؤل الأبله والساذج بمرحلة"اليوم التالي"بعد زوال حكم آل الأسد، وهو الزوال الضروري والذي سيكون بداية الطريق وليس نهايته. أي أنه سيكون فاتحة لانفجارات سيلقي"اللاأحد"وإحراق البلد بظله السمِج فوقها ضريبة على ما حصل من غض نظر لأربعة عقود هي عمر الأسدية البائدة، ولأشهر من عمر الثورة السورية. * كاتب سوري