انطفأت ابتسامة ياسين بقوش إلى الأبد. الكوميدي السوري الذي وزع ضحكات ومواقف طريفة مطلع ستينات القرن العشرين، واستمر بعدها في نشر الفرح، قتل في حي العسالي الدمشقي الذي يشهد اشتباكات منذ أسابيع، بعد اصابة سيارته بقذيفة. من قتله؟ يصعب تحديد هوية القاتل لتضارب الأخبار الواردة، ولكن كائناً من كان فإنه أراد محو مرحلة من ذاكرة جيل عاصر بساطة بقوش وطيبته. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان في بيان عن ورود شريط مصور إليه،"تظهر فيه جثة يعتقد أنها للفنان السوري الكوميدي ياسين بقوش، كما تظهر بطاقة شخصية وجواز سفر يعودان للفنان". وأكّدت وكالة"سانا"السورية الرسمية مقتل بقّوش بقذيفة هاون أطلقها"إرهابيون"على سيارته، قبل أن يعلن التلفزيون الرسمي تعازي وزارة الإعلام"لأسرة الفقيد والشعب السوري ورفاق المبدع الذي استشهد بقذيفة أطلقها إرهابيون ظلاميون". بقي بقوش 1938 - 2013 وفياً للدور الذي قدّمه في بداياته"ياسينو"، الشاب البسيط الذي يقع ضحية مقالب شريرة. ويعبّر الدور الذي اشتهر به عن فئة مهمشة من المجتمع السوري، حمل رايتها محاولاً اثبات أن لديها القدرة على التغيير ونيل فرص جديدة، وهذا ما حصل معه مثلاً حين تزوج من معلمته صاحبة فندق"صح النوم"المسلسل الشهير، بعدما فشل غوار الطوشي وحسني البورظان في كسب حبها. يشكل ياسين بقوش علامة بارزة في تاريخ الحقبة الكوميدية السورية الذهبية، والتي انتعشت في ستينات القرن الفائت فقدمت للعالم العربي مجموعة من الأنماط التمثيلية لم تتكرر، بل واستطاعت العيش في وجدان الناس إلى الآن بأسماء الشخصيات التي قدمتها في ذلك الوقت. واللافت أن كل تلك الأنماط قدمت كمجموعة واحدة في عدد قليل من الأعمال أيام الأبيض والأسود. ومن أشهرها نموذج غوار الطوشة، وحسني البورظان، وبدري أبو كلبشة، وفطوم حيص بيص، وأبو صياح، وسواهم. عرف ياسين منذ انطلاقة التلفزيون الرسمي السوري في ستينات القرن الماضي، وخصوصاً في المسلسلات الكوميدية، واشتهر بشخصية النادل في المقهى، البسيط والطيب، وكان غالباً ضحية لشرور ومقالب شخصيات أخرى، كان عليه أن يتحمل صفعات"القبضاي"أبو عنتر الشخصية المشهورة التي أداها الفنان الراحل ناجي جبر، ومقالب غوار الطوشة التي أداها الفنان دريد لحام. لكن الأهم هو علاقته مع صاحبة الأوتيل الذي كان يعمل به، وهو أوتيل"صح النوم"والذي كان اسماً لأحد أبرز المسلسلات المطبوعة في وجدان السوريين والعرب. صاحبة الفندق هي فطوم حيص بيص الفنانة نجاح حفيظ وهي سيدة متسلطة بحكم أنها مالكة الفندق، وكانت محل نزاع عاطفي بين غوار الطوشة زميل ياسين في العمل في الفندق، وحسني البورظان الصحافي المغمور المقيم فيه، وينتهي هذا النزاع لا لمصلحة هذا ولا لذاك، بل بفوز ياسين بقلب"معلمته"على حين غرة. منذ ذلك الوقت لم يستطع الفنان بقوش أن يخرج من صورته في تلك المسلسلات. فقدم"ياسين تورز"، و"ياسين في المطبخ"وربما حرمه تقيده بشخصية ياسينو، من فرصة الظهور في أعمال تلفزيونية أخرى كثيرة. ويقول كاتب السيناريو السوري عبدالمجيد حيدر:"طبعاً انا من جيل شاهد ياسين بقوش في المسرح القومي وعرف جيداً قدراته، لم يكن هذا النمط الذي قدمه محدوداً وسهلاً كما قد يعتقد البعض". وأضاف:"إنه في حمله لكل هذه الطيبة والسذاجة وتحمله لغوار الطوشة ومشاكله واستمراره على حبّه له، بل وفي حبه لكل من حوله على رغم ما بينهم من تناقضات وخلافات، يحمل روح التآخي والحب الخالص". وبقوش من مواليد دمشق عام 1938 ويتحدر من أصل ليبي، وقال في إحدى مقابلاته انه نفسه عرف ذلك بعدما اشتهر ممثلاً، فتعرف إليه أقاربه الليبيون. وسبق للفنان أن ظهر بسيارته، في شريط فيديو منذ بضعة أسابيع وزعه ناشطون معارضون، عابراً احد حواجز المعارضين المسلحين في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، مؤكداً أنه ما زال يسكن في ذلك الحي الذي هاجر غالبية سكانه آنذاك بسبب الاشتباكات.