أَصدر الشاعر السوري نوري الجراح، ديوانه الجديد"يوم قابيل والأيام السبعة للوقت"عن"دار راية"في حيفا، ويضم قصائد تستوحي أَجواء المحنة السورية الراهنة، والتي يطفر فيها الدم غزيراً، جرّاء توحش السلطة الحاكمة ضد الشعب السوري في ثورته. وينخرط الجراح، من مكانه مثقفاً وشاعراً، في هذه الثورة، بأَدوات تعبيرِه الخاصة، وكذلك في نشاطٍ مدنيٍّ ملحوظ، يتواصل في أَثنائه مع الداخل السوري وثواره. ويجد أَنه بات موعوداً، بسبب هذه الثورة وتضحياتها، بالعودة إِلى بلاده التي هجرها منذ 1981، في اختياره المنفى بديلاً من البقاء تحت سلطة الاستبداد الذي يحتل دمشق، وفق تعبيره، ما يجعلها مدينة محتلة، كما حيفا التي يحتلها الصهاينة. وهو في إِصداره ديوانه الجديد من هذه المدينةالفلسطينية العربية أَراد الإحالة إِلى هذا البعد. في هذا الحوار معه، يطرح الشاعر نوري الجراح الذي يقيم في لندن، ويدير المركز العربي للأدب الجغرافي في أبو ظبي، رؤيته هذه، ويضيء على تجربته في كتابة قصائد"يوم قابيل والأيام السبعة..."، وعلى دخوله متسللاً سورياً في مخاطرةٍ، يجد نفسه سعيداً بها، وهنا نص الحوار: - هل من دلالةٍ حاضرةٍ في إِصدارك مجموعتك الجديدة"يوم قابيل والأيام السبعة"من حيفا، لا سيّما أَنها تنشغل بالثورة السورية؟ بالتأكيد، هناك دلالة. أَن أَكون في حيفا شاعراً من سورية، ومنفياً عنها، هو بالضرورةِ لفتةٌ تمتلئُ بالمعاني، فحيفا هي الشام على مرمى نظرةٍ من دمشق، والشعرُ طائر الحرية يطير فوق الأسلاك، ولا يحفلُ بما فعلت السكينُ في خريطة الجسد الشامي، ديواني الاول في حيفا يُعادل في معناه ديواني الأَول في بيروت"ولادة جديدة. وأَن أَكون في حيفا باللغة العربية، يعني أَنَّ حيفا بلد عربي، وأَنَّ أَبناءَها عرب من الشام، وأَنها ما زالت عربية، وأَنَّ مستقبلها، أبداً سيكون عربياً. قصيدتي العربية في حيفا بالعربية، ومن دون ختم إسرائيلي، علامة فارقة. أَنا من دمشق، ودمشقُ اليوم مدينة يحتلّها الاستبداد، وكتابي الذي يصدرُ من حيفا يصدرُ من مدينةٍ في فلسطين العميقة يحتلها الاستعمار. هنا تكتمل الدلالة، فالاستبدادُ العربي أبّدَ الاستعمار وكان، ولا يزال، حاضنته. عندما قامت الثورة السورية، رأى فيها خصومُها من أَنصار النظام ومشايعيه من المثقفين السوريين والعرب، وكذلك من لم تكن الصورة واضحةً لديهم، مخاطر على القضية الفلسطينية، بل ذهبَ بعضُهم إِلى اعتبارها خصماً لهذه القضية. والبائسُ في هذا المنطق أَنه يخطئُ كثيراً في تشخيص الحقيقة التاريخية، المتمثلة في جوهر الصراع في المنطقة، وتعيين القوى الفاعلة في هذا الصراع. فالطرفُ الرئيس في معاداة الصهيونية ومشروعها ليس هذا الحكم العائلي الهمجي الذي حكم سورية أَربعين عاماً، وها هو يدمرها اليوم، ما دامت لن تعود له، وإِنما الناسُ بثقافتهم ومبادئهم وانتماءاتهم ووجداناتهم. الشعب السوريُّ هو الذي منع أَي مؤسسةٍ حاكمة من أَنْ تخلَّ في واجبها القومي في الصراع العربي-الإسرائيلي. وذاكرةُ المقاومة تحفظ اسم عز الدين القسام، القائد الذي استشهد على أَرض فلسطين في الثلاثينات من القرن الماضي، مناضلاً عبَّر عن وجدان الشعب السوري، الناظر نحو فلسطين، بوصفها امتداداً للتراب الشامي وللثقافة والوجدان. إِصدار الديوان من حيفا تعبيرٌ عن انتمائي الشخصي إِلى القضية الفلسطينية أَنا السوريُّ المنخرط في يوميات فلسطين، وأَتشرف بذلك في إِطار مشروع ثقافيٍّ عربيٍّ، يناضل ضد الاحتلال، ينطلق من حيفا بالعربية، ويُكرّس لغةَ هذه المدينة وثقافتها العربية، وهذا فعلٌ متجددٌ، يواصل عرفاً مقاوماً بدأه كتاب ومثقفون فلسطينيون... مرة أخرى، إِنَّ صدور هذا الديوان من مدينةٍ فلسطينيةٍ تقاتل لأجل هويتها، هو تحيةٌ للمقاومة ضد الاستعمار، وهو فعلُ مقاومةٍ للاستبداد. - ما الذي جاءَ بقابيل إِلى خاطرك، هو مستجدٌّ في شعرك الذي تحضرُ فيه أَنفاسٌ إِغريقية وأَساطير يونانية؟ القاتل والقتيل في سورية سوريان، ويُدفنان تحت البلاطةِ نفسها. كل رجال الأَمن والشبيحة سوريون، وكل الأطفال الذين قتلهم هؤلاء سوريون، والعسكر الذين أَدموا الجسد السوريَّ سوريون، وعندما يواجهون الشعب المسلح دفاعاً عن نفسه يقتلهم سوريون ثائرون، ويدفنُ الجميع بدمهم السوري تحت هذه الصفحة الأليمة من التاريخ... هنا يكمن عمق المأساة السورية، وهنا البعد الرمزي، ومأسويته في كونه تمزقاً في الجسدِ نفسه، بالمعنى الرمزيِّ للكلمة. هذا هو التمثيل القابيلي. وإِذا كان الخط القابيلي والهابيلي موجوديْن، هنا، فلديّ قصيدةٌ كتبت في 1990، مهداةٌ إِلى شاعر إغريقي، وهي معارضة لقصيدة"في انتظار البرابرة"للشاعر اليوناني قسطنطين كفافي، والتي تتحدث عن مدينةٍ تنتظر البرابرة كل يوم، ثم تكتشف أَنهم لم يصلوا، وربما لن يصلوا فتقع في مشكلة. يقول كافافي"إِنَّ البرابرة كانوا نوعاً من حل". تبدأ قصيدتي تلك من حيث انتهت قصيدة كافافي، وتُخاطبه لتخبرَه بأنَّ الغزاة الذين انتظرهم خارج مدينته، أَو قصيدته، كانوا في الواقع موجودين في المدينة. وعندي في قصيدتي هم عملياً يحتلون سورية منذ 1963. فالغزاةُ الذين انتظرهم كفافي كانوا في المدينة، وجاءَ الآن موعد تحريرها. تقول القصيدة في 1990 إِنَّ سورية محتلة، كما اعتبرتها منذ هاجرت منها في 1981 إِلى بيروت. ومذّاك أَحلم بالثورة. المنفيُّ يعيشُ حياته في انتظار ساعة العودة. في لحظة يأس، كتبت قصيدتي"رسائل أُوديسيوس"، كنتُ قد شعرتُ أَنَّ لا عودة، ثم فاجأني الشباب بالثورة، ونادوني للانتماء إِليها. وجعلوا قصيدتي اليائسة تلك صفحةً من الماضي، وجعلوا من حلمي بالعودة، وللمرة الأولى، أمراً ممكناً. وبالتالي، اجتمعت قصائدي الثائرة المكتوبةُ عبر السنوات في هذا الديوان الصادر في حيفا. أَعتبر أَنَّ الثورة السورية ثورة لكل الأجيال، منذ احتلال فلسطين في 1948 وحتى اللحظة الراهنة التي أَدرك فيها السوريون أَنَّ بلدهم محتلٌّ من الاستبداد. أَرى أَنَّ الثورة السورية تحمل كل الأحلام والآمال والتطلعات المعبّرة عن الأجيال السورية الجديدة، بمن فيها الأجيال الفلسطينية في سورية. وأَرى أَنَّ الصهاينة قلقون من هذه الثورة جداً، ولا أَشك في أَنهم ساهموا ويساهمون يومياً بطرق شتى، وعبر اللوبي الصهيوني في أَميركا، في تمديد عذاب السوريين في هذه الثورة، بطريقةٍ أَو بأخرى، خوفاً مما سيترتّب على انتصارها. شعر المأساة - دمٌ كثيرٌ في قصيدتك الطويلة"الأيام السبعة للوقت"، وترميزاتٌ وفيرة. ماذا عن ظروف كتابتك هذه القصيدة التي ربما تعد من القصائد الأولى، والأبرز، من وحي أَجواء المحنة السورية الحالية؟ هذه القصيدة نشيدٌ مبلولٌ بالدم، كتب خلال عام بين نيسان 2011 ونيسان 2012، كنتُ من يوم إِلى آخر أَكتب سطوراً في هذا النشيد، وكان الانفعالُ العنيفُ تحدياً لفن الشعر. مشاهدُ القتل والاغتصاب والقصص اليومية للثورة كانت تحدياً آخر. كان التحدّي الكبير لي بأَيِّ لغةٍ أَكتب هذا الأَلم. والسؤال الأَكثر جوهريةً كان: بأَيِّ لغةٍ يمكن فن الشعر أَنْ يتغلب على فن الموت؟ وكيف يمكنُ التغلب على عاطفة الألم، وبأَيِّ صور شعرية يمكنك أَنْ تبزَّ صور المأساة اليومية والجريمة، وما زالت تشكل، تحدياً غير مسبوق للشاعر. فالوقائعُ تعجز الكلمات عن وصفها، وتعجزُ المخيلة أَيضاً عن الوصول إِليها، من قبيل الصنيع الأَسود الذي ابتكره القتلة في الشعب السوري. ولذلك، كانت هناك مكابدةٌ لغويةٌ في كتابة أَيِّ شعرٍ في مفترقٍ عصيبٍ كهذا. لا تليقُ بالمأساة السورية قصائد سريعة، والمأْساة هذه اختبارٌ لم يسبق أَنْ واجهه الشعب السوري. أَعتقد أَنَّ ما داهم الحياة السورية لجمَ الشعراء وأَسكتهم، وأَنا أَحترم صمت الشعراء في لحظةِ تحدٍّ عصيبةٍ كلحظة التراجيديا السورية. "الأيام السبعة"قصيدةٌ طويلةٌ صدرت عن مكابدةٍ مع اللغة، ومع فكرة الشعر، وما تقتضيه من كثافة. حاولت أَنْ أَنجح في هذه المغامرة الجديدة مع اللغة والذات، في تحدٍّ لها وصراعٍ معهما لإنطاقهما الأقصى، لأَنك، في هذا الحال، تريدُ أَنْ تنطق اللغةَ ما لم تنطق لك قبلاً، والشعور أمام كل هذا الدم. والسؤال الصعبُ هو كيف يمكن أَنْ تصيب منطقتين عصيتين، هما اللغة والشعور، في لحظةٍ قصوى من لقاء الشعور باللاشعور، في مسار دامٍ ذي طابع مأسوي. - هل نجحت في هذا الاختبار، وهل تشكل مجموعتك الجديدة انعطافةً ما في تجربتك؟ لا أَعرف إِنْ كنت نجحتُ في هذا الاختبار. اشتغلت كثيراً على اللغة والشعور، لأُصيب ما يمكن إِصابته شعراً في مشهديات المأساة السورية التي أَعلنت عن نفسِها صراحةً، بوصفها أُوديسا حقيقيةً لشعبٍ ينهضُ نهوضاً بركانياً في المنطقة، ويريد أَنْ يغير وجه المنطقة. هل تستطيع قصيدةٌ أَنْ تلمَّ بالبركان؟ أَنْ تصطادَ الطاقة الخلاقة لشعبٍ أَراد أَنْ يعطي كل ما عنده في لحظةٍ قصوى؟ أَسأل نفسي هذا السؤال، وأَرى أَنَّ الإجابة عنه تشكل بدورها تحدياً لا جواب عنه، إِلا في ما يمكن أَنْ تقوله ذائقةُ القراءة. لا أَدري إِنْ كانت مجموعة"الأيام السبعة..."انعطافةً في تجربتي الشعرية، لكنني أَكاد أَشعر أَنها محطةٌ استثنائية. وأَستطيع أَنْ أُقارن بين هذه التجربة وتجارب لي سابقة في كتابة الشعر في لحظاتٍ ساخنة. مثلاً، هناك قصائدُ كتبتها في حصار بيروت في 1982، في أَعقاب مذبحة صبرا وشاتيلا، وكانت منفعلةً انفعالاً عالياً. انتبهتُ لاحقاً إِلى أَنني لا أَستطيع أَن أُضمنها في دواويني، باستثناءِ قطعةٍ من عشرة سطور. دخول سورية سراً - لكنك بعيد مكانياً عن سخونةِ الواقعة السورية الراهنة، وتقيمُ في لندن في مناخٍ هادئ، كيف لتعبيرِك عنها أَن يكون ممتلئاً. وماذا عن عبورك إِلى سورية في أتون هذه الثورة، وعن شعورك لحظةَ دخلتَ بلدك الذي غادرته قبل ثلاثين عاماً، وتعود إِليه متسللاً؟ لا بدَّ من الاعتراف بأَن للكلام عن البعد الجغرافي وجاهته، لكن هذا ليس كل شيء وليس نهائياً. إِقامتي في لندن قدرٌ جغرافي، ولها بالتأكيد أَثر في كتابتي الأمس وكذلك اليوم. الثورةُ السوريةُ قامت على بعد آلاف الكيلومترات من بيتي في لندن، إِلا أَنَّ مشاهد الأَلم اليومية للموت والقتل والعذاب الإنساني السورية تغزو بيتي وكل بيت، وتصل إِلى غرفة طعامي. وغرفة نومي، تهجم على أَيامي بفأسٍ دامية. تواصلي اليوميُّ مع الداخل السوري لم ينقطع، وعلاقتي اليومية المباشرة مع الشباب والثائرين هناك لم تتوقف، فضلاً عن أَنَّ وقائع الثورة شديدةُ الحرارة. وإِلى هذا وذاك، فإِنَّ للمسافة الجغرافية فاعليتها في إِيجاد مساحةٍ للتفكير في الكلمات، وللتأمل ومراجعةِ الطاقة التخييلية والكيان اللغوي الذي تتأَسّس عليه القصيدة. دخولي إِلى سورية بالطريقةِ التي دخلت فيها، لم يكن شرعياً، وكان رائعاً أَنْ أَجتاز الحدود بغيابِ موظفٍ يختم جواز سفري، لا تركي ولا سوري. كانت تلك أَمتع لحظات حياتي وأَجملها، للمرة الأولى في حياتي أَمتلك شعوراً كهذا بالحرية، أَحسستُ بهذا وأَنا أَخطو خطواتي الأُولى نحو السلك الشائك في الأَرض الحرام، والذي سيرفعه لي أَحد شباب المقاومة الوطنية المسلحة، وفي يده الكلاشنيكوف. كنت قلقاً ولم أَشعر بالخوف، وكنت أَمحو بخطواتي تلك ثلاثين عاماً من المنفى. وعندما عبرنا لحظةَ خطر أَكيدة بسبب وجود قناص، كانت سعادتي مذهلة، لأَنني، على رغم أَنف الطاغية، أَعود إلى بلادي، وأَصل إِلى مدنٍ سوريةٍ محررة. كانت سعادتي لا توصف، وكنت مطمئناً، برفقةِ ثوارٍ مسلحين، شعرت أَنهم إِخوتي حقاً، وكانوا يُريدون أَن يحموني. أَحدهم قال لي:"نموت، لكننا لن نجعلك تموت، ونحن فخورون بأَنْ يكون بيننا شاعرٌ حرٌّ يمشي معنا في هذه الليلة المقمرة". كان ذلك في شهر رمضان الماضي، وقد وصلنا إِلى مدخل مدينة بنّش على السحور، وعبرنا عشرات القرى والبلدات الصغيرة، مروراً بحواجز للجيش الحر. ثقافة الاعتدال - كمثقف سوري، ألا تخشى على بلدك من أَنْ يسيطر عليه مستقبلاً حكم الإسلاميين والأُصوليين، أَلا يقلقك ذلك، وأَنت المسكون بحرية الإبداع والفن؟ وكيف تنظر، أَساساً، إِلى هذه المسألة المثيرة، حالياً، للجدل؟ لماذا نُنكر على الشعب السوريِّ حقه في أَنْ يختار المعبرين عنه؟ وأَنْ يقول كلمته في شأن مستقبله؟ يجب أَنْ نكف عن اعتبار أَنفسنا معلمين واعتبار الشعب تلميذاً. من حقِّ الشعوب أَنْ تختار، وأَنْ تدافع عن اختياراتها، وإِذا كان الشعب السوري سيختار ممثليه من أَهل الإسلام السياسي فهذا حقه، وليس علينا أَنْ نُصادره تحت أيِّ دعاوى، لا سيما أَنَّ نخباً انقلابية لم تكن ممثلةً للسوريين حكمت سورية، نخباً جاءَت على ظهور الدبابات، وفرضت نفسَها على الناس. والشرق عرف نخباً استعلائية، رأَت أَنَّ الشعوبَ لو تركت لخياراتِها لاختارت الأسوأ، لأنها، كما روَّجوا، شعوبٌ لم تنضج، وهذه النظرة لا تترجم إِلا بأَنها فاشية. ثم من أَين أَتى الافتراض أَنَّ الأصوليين سيحكمون سورية؟، هل جاءَ بسبب لحى المقاتلين. شخصياً، أَرى أَنَّ الاعتقاد بأَنَّ المتشددين الإسلاميين سيحكمون سورية ضربٌ من التخريف. المجتمع السوري متنوعٌ بالمعنى الإثني والديني والمناطقي، وسورية المقبلة، على الأَقل في السنوات الأولى، لن تُحكم إِلا عبر ائتلافات. وبسبب الظروفِ الخاصة التي تحكم الانتقالَ من الاستبداد إِلى الديموقراطية المنشودة، لن تستطيع فئةٌ واحدةٌ في سورية أَنْ تحكم، لكن يمكن ائتلافاً أن يحكم في الفترة الانتقالية. وفي المستقبل، يمكن أَنْ يقرر الشعب السوري عبر صناديق الاقتراع من سيحكمونَه عبر لعبة ديموقراطية. المثقفون السوريون في غالبيتهم مع التحول الديموقراطي وضد النظام القائم. بعضُهم ليس مع الثورة السورية، لأَنه يخشى منها، وأَقول هنا إِنَّ التحفظ على بعض سلبيات الثورة شيء، وعدم الإيمان بها شيء آخر. وما أَراه أَنَّ هذه الثورة ماضية إِلى إِنجاز أَهدافها، وسيبدأ لاحقاً الصراع السلميُّ على شكل الحكم، حينها سيكون موقفي نقدياً، ومن موقع المعارض والمناهض لكل شكلٍ محتملٍ من التطرف السياسي أَو الديني أَو الاجتماعي. ولا يغيبُ عن البال أَنَّ التطرف وليدٌ موقتٌ للحظات العنف يزولُ بزواله. ولديَّ إِيمانٌ حقيقيٌّ بأَنَّ أَسباب التطرف ما أَنْ تزول حتى يعود الاعتدالُ إِلى التجربة السورية. وقناعتي أَنَّ مزاج الشعب السوريِّ معتدل تاريخياً. هو شعبٌ اشتغل تاريخياً بالتجارة، وهذه لا تستقيمُ مع التطرف، ولا تزدهر إِلا في ظل علاقاتٍ تقوم على الانفتاح.