نشرت مجلة"نصوص معاصرة"في عددها الأخير لخريف 2012 تقريراً للدكتور حسين متقي بعنوان"سابينا شميتكه: مطالعةٌ في أعمالها حول التشيُّع والاعتزال". وسابينا شميتكه هي مستشرقة ألمانية شابة ولدت عام 1964، غزيرة الإنتاج إذ نشرت حوالى 34 كتاباً و86 ورقة بحثية بلغات عدة. وهي تلميذة المستشرق الألماني الشهير البروفيسور ويلفرد مادلونغ، الذي تخصص بالدراسات الإسلامية ولا سيّما المعتزلة والشيعة من اثني عشرية وزيدية. وقد سارت شميتكه على نهجه فاهتمت بفكر الاعتزال وعملت على تحقيق مخطوطات غير معروفة لكبار المتكلمين المعتزلة والشيعة الاثني عشرية ونشرها. فإذا كان المستشرق مادلونغ معروفاً في العالم الإسلامي بسبب مقالاته الكثيرة في دائرة المعارف الإسلاميّة وغيرها، إلا أن أعمال شميتكه وأبحاثها وشخصيّتها غير معروفة في أوساط الباحثين والمحقِّقين في العالم الإسلامي. شميتكه هي أستاذة الدراسات الإسلاميّة في الجامعة الحرّة في برلين منذ عام 2000 وإلى اليوم. وهي واحدةٌ من المحرِّرين والمدوِّنين للمقالات الكلاميّة والفلسفيّة في دائرة المعارف الإسلاميّة بنسختها الثالثة طبعة ليدن، ومعاونة مدير تاريخ الفلسفة فيها. نالت درجة البكالوريوس من الجامعة العبريّة في القدس عام 1986، ونالت شهادة الماجستير من مدرسة الدراسات الشرقيّة والأفريقيّة في لندن عام 1987. ونالت الدكتوراه من جامعة أوكسفورد في إنكلترا عام 1990 وكان عنوان أطروحتها"الأفكار الكلاميّة للعلّامة الحلي 726ه/ 1325م". تركّزت أبحاث شميتكه في شكلٍ رئيس على الدراسات الكلاميّة في الحقبة الوسيطة من الإسلام، أي من القرن العاشر إلى الثالث عشر للميلاد، طبقاً للمعتقدات الكلاميّة عند المعتزلة. وبحثت في علاقة التأثير والتأثّر بين كبار المتكلِّمين عند الشيعة ومدرسة الاعتزال الكلاميّ. في عام 2002 حازت الجائزة العالميّة لكتاب العام في إيران، بسبب تأليفها كتاب"الكلام والفلسفة والتصوّف في الإسلام: آراء ابن أبي جمهور الأحسائيّ بعد عام 906ه/ 1501م باللغة الألمانيّة. وفي عام 2003م أسَّست جمعيّة مشروع النسخ الخطّية للمعتزلة، بالتعاون مع الباحث ديفد سكلار. شميتكه هي عضو مؤسس في هيئة الإشراف على النصوص والدراسات الكلاميّة والفلسفيّة الإسلاميّة الصادرة عن"مؤسَّسة الحكمة والفلسفة الإيرانيّة"، ومؤسَّسة الدراسات الإسلاميّة للجامعة الحرّة في برلين. وفضلاً عن اهتمامها بالمعتزلة والشيعة الاثني عشرية والزيدية فهي نشرت الكثير من الكتب والدراسات والمخطوطات المتعلقة بالسجال الكلامي الإسلامي ? اليهودي وكتبت كتاباً عن الفيلسوف اليهودي ابن كمونة وحصلت على منحة مؤسَّسة الأبحاث الألمانيّة - الإسرائيليّة Gif للدراسة والتحقيق في شأن ابن كمّونة. وشاركت، بصفتها عضواً بارزاً ومنسِّقاً في الجمعيّة التحقيقيّة الاعتزال في الإسلام واليهوديّة في معهد الدراسات المتقدِّمة في جامعة أورشليم العبرية. وعام 2006 دعيت كأستاذة زائرة إلى المدرسة العلميّة للأبحاث العالية في باريس، للعمل على مشروع"التراث الإسلاميّ الجدليّ في مواجهة اليهوديّة". شميتكه هي كذلك عضو في الهيئة الاستشاريّة لمشروع"دراسات حول ذرّيّة إبراهيم"، التي يتمّ إصدارها عن دار نشر بريل في لايدن بهولندا. وهي تعمل على تحقيق نقدي لمؤلَّفات الصاحب بن عبّاد في علم الكلام. وللباحثة الألمانية كتب ودراسات ومقالات في أبرز المجلات والموسوعات والمعاجم التخصُّصيّة، في المسائل الفلسفيّة والكلاميّة باللغات الإنكليزية والألمانيّة والفرنسيّة والفارسية. ومن أبرز أعمالها كتاب حول"المشتركات العقليّة بين الاعتزال في الإسلام واليهوديّة"بالتعاون مع كاميلا أدانج وديفد إسكلار. أما كتاب شميتكه البارز فعنوانه"فيلسوف يهوديّ من بغداد، عزّ الدولة ابن كمّونة 683ه وأعماله"، فقد ألفته بالتعاون مع رضا بور جوادي. وهو يتضمن تقريراً تفصيليّاً عن سيرة ابن كمّونة، وأعماله وأفكاره الفلسفيّة، وتأثيرها وتأثُّرها بين المسلمين واليهود. وفي سياق اهتمامها الكبير بأعمال ابن كمونة نشرت شميتكه كتاب"أسئلة نجم الدين الكاتبي عن المعالم لفخر الدين الرازي مع تعليقات عزّ الدولة ابن كمّونة"، وهو عنوان كتاب لنجم الدين الكاتبي القزويني، مع تعليقات لسعد الدين بن منصور البغدادي، المعروف بابن كمّونة. وقامت شميتكه بتحقيقه، بالتعاون مع رضا بور جوادي، مع مقدّمة باللغة الإنكليزية لشميتكه. وقد كتب ابن كمّونة على هوامش الكاتبي النقديّة تعليقاتٍ أخرى، ولم يغفل فيه عن نقد أصل كتاب المعالم للرازي. ومن أبرز الكتب التي نشرتها وحققتها شميتكه:"الرسائل المتبادلة بين هنري كوربان وفلاديمير غيفانوف 1947 - 1966، وهو عبارة عن مجموعة من الرسائل المتبادلة بين المستشرق الروسي فلاديمير إيفانوف 1886 - 1970 والمستشرق والفيلسوف الفرنسيّ هنري كوربان 1903 - 1978 وقرينته إستيلا كوربان 2003. وقد تمّ تبادل هذه الرسائل على مدى عشرين عاماً، أي ما بين الأعوام 1947 و1967. وقد بدأ تبادل هذه الرسائل عندما عمد فلاديمير إيفانوف إلى تأسيس المجمع الإسماعيليّ عام 1946 في مدينة مومباي الهنديّة. ويعود السبب في ذلك إلى الولع الذي عرف به هنري كوربان تجاه فكر التشيُّع بما في ذلك الفكر الإسماعيليّ. وفي كلّ رسالة يعمد كلاهما إلى كتابة تقرير عن الكتاب الذي كانا منشغلَيْن بتدوينه أو تصحيحه، وكانا يتبادلان الكثير من الكتب والمخطوطات. وإثر الإصرار المتواصل من قبل كوربان على إيفانوف بالسفر إلى إيران قام الأخير في عام 1959 بشدّ الرحال إلى إيران، وأمضى السنوات العشر الأخيرة من عمره في طهران. وتمّ جمع هذه الرسائل المتبادلة بجهود قامت بها شميتكه. "كتاب التذكرة في أحكام الجواهر والأعراض"، لمؤلفه الحسن بن متويه النجراني، هو عبارةٌ عن نصّ وشرح باللغة العربيّة يتحدّث عن أبحاث الطبيعيّات من وجهة نظر المعتزلة. طبع الكتاب مع مقدّمة لشميتكه بالإنكليزيّة، ومقدّمة باللغة الفارسيّة لنصرالله بور جوادي، عبر تصوير نسخة المخطوطة الموجودة في مكتبة أصغر مهدوي في طهران. ونشرت شميتكه بالاشتراك مع مادلونغ كتاب"البحث عن أدلّة التكفير والتفسيق"، لإسماعيل بن أحمد البُستي السجستاني. "الإلهيّات العقليّة في العلاقة بين الأديان: أبو الحسين البصري المعتزلي، الكلام المعتزلي في العصر الفاطمي"، هو عنوان كتاب ألّفته شميتكه بالتعاون مع مادلونغ. ويذهب الكتابان إلى أنّ ممثِّل الآراء الكلاميّة للمعتزلة في صدر الإسلام هو في الغالب أبو الحسين البصري، بعدما تحوَّلت البصرة في أوائل القرن الميلادي الثامن إلى حاضرة للاعتزال، واستمرّ ذلك حتّى بداية القرن الحادي عشر للميلاد. إنّ الأعمال الكلاميّة لأبي الحسين البصري 1044 تمّ تجاهلها بين المعتزلة في شكل عامّ، إلّا النزر القليل الذي قام به محمود الملاحمي الخوارزمي"إذ نشر مذهبه في آسيا الوسطى، حيث إنّ مصادر الدراسات حول المذهب المعتزليّ من زاوية آراء أبي الحسين البصري موجودة حاليّاً في شكل متفرِّق في مكتبات العالم. وقد سعى الكتاب إلى دراسة المذهب المعتزلي، وبخاصّة في مرحلة خلافة الفاطميّين. وفي هذا السياق نشرت شميتكه ومادلونغ"تصفّح الأدلة"، وهو عنوان فصل متبقٍّ من كتاب لأبي الحسين البصريّ المعتزلي، وهو عبارةٌ عن تقرير لمذهب الاعتزال في البصرة. كما نشرت مخطوطات من الأعمال الفلسفيّة والفقهيّة لابن أبي جمهور الأحسائي، موجودة في مكتبة مدرسة مروي في طهران، وهي رسائل في علم الكلام وفي الفقه وأصول الفقه وأسس فلسفة الإشراق. كتاب"كشف المعاقد في شرح قواعد العقائد"، هو شرح لكتاب"قواعد العقائد"للخواجة نصير الدين الطوسي ألفه محمود بن علي بن محمود الحمصي الرازي، وهو مخطوط موجود في المكتبة الحكومية في برلين. وتمّ نشر طبعته المصوّرة مع مقدّمة وفهارس لشميتكه من قبل مؤسَّسة الحكمة والفلسفة الإيرانيّة للتحقيق، ومؤسَّسة الدراسات الإسلاميّة في الجامعة الحرّة في برلين. تقول شميتكه في المقدّمة:"إنّ شرح الرازي يمكن اعتباره نوعاً من تكرار القواعد، مصحوباً بالكثير من التفاصيل التي يمكن قراءتها في شكل مستقلّ عن النصّ الأصليّ. وحيث إنّ كشف المعاقد حلقة من سلسلة مؤلَّفات الإمامية في حقل العقائد في إيران ما قبل العهد الصفوي فإنّه يستحقّ الاهتمام من هذه الناحية. وتحظى نسخة المكتبة الحكومية في برلين بأهمية بسبب اشتمالها على بعض تصحيحات وإضافات الشارح نفسه، إضافة إلى أنّ نصّها يعتبر واحداً من الشروح القديمة للعقائد، ولم يكن حتى هذه اللحظة في متناول المحقِّقين". وتشير شميتكه إلى أن تاج الدين الرازي كان من تلاميذ العلّامة الحلّي. "المنهاج في أصول الدين: رسالةٌ عقائديّة في بيان العقائد الاعتزالية لدى الزمخشري 538ه/ 1144م"، نقلته شميتكه من العربيّة إلى الإنكليزية. أما كتاب"بذل المجهود في إفحام اليهود"فهو من تأليف: صموئيل بن يحيى المغربيّ 570ه/ 1175م، وهو مخطوط نشرته شميتكه بالتعاون مع رضا بور جوادي وإبراهيم مرازكا، على شكل استنساخه كصورة مطابقة للأصل Facsimile. كتابها"التحدّث باسم الإسلام: المسائل الدينيّة والمذهبيّة في المجتمعات المسلمة"كتبته بالاشتراك مع الباحث غوردون كريمر، عرضا فيه عدداً من من الأبحاث حول الإسلام، ومنها"منْ الناطق باسم الإسلام؟ ومَنْ هو الذي يتولّى عمليّة هداية المسلمين وتوجيههم؟ ما هو حجم ونوعيّة الفرد الذي يُعمِل نفوذه وتأثيره المذهبيّ والدينيّ، وكيف يمكن تقويم ذلك؟ وكيف يتمّ أخذ المخاوف الراهنة تجاه الإسلام في الاعتبار؟ وللمستشرقة الألمانية كتب ومنشورات ودراسات كثيرة أخرى ومن أبرز مقالاتها المنشورة في الموسوعات الإسلامية:"الجبّائي، أبو علي محمّد بن عبدالوهاب"، في موسوعة"جهان إسلام"بالفارسية، و"نظريّة تناسخ الأرواح من وجهة نظر شهاب الدين السهروردي وأتباعه"،، مقالة مقدّمة في المؤتمر العالميّ لتكريم صدر المتألّهين الشيرازي، طهران، ومقالة"التستري، أبو الفضل"منشورة في"دائرة المعارف الإسلاميّة الكبرى". * باحث في الفكر العربي والإسلامي