يتوافد المستثمرون إلى بريطانيا، خصوصاً لندن، ما يدفع أسعار العقارات إلى مواصلة ارتفاعها. وبفضل عوامل متعدّدة، من بينها النظام الحكومي المستقر واللغة والجغرافيا ومقاربة الأعمال، وحتّى العنصر المناخي، تُعتَبر بريطانيا وجهة رائجة لرأس المال الدولي. ومع ارتفاع أسعار العقارات بوتيرة أسرع من الإيجارات، تراجعت إيرادات التأجير. بيد أن إقبال المستثمرين على العقارات اللندنيّة لا تحكمه إيرادات التأجير وحدها، بل أيضاً إمكانية تحقيق أرباح رأسمالية كبيرة، والرغبة في امتلاك عقارات في مدينة قد تشكّل ملاذاً آمناً خلال مراحل الصراع أو عدم الاستقرار في أماكن أخرى. وتحاول الحكومة التحكّم بتداعيات الأزمة الاقتصادية، وهي تعرف أنّها على مشارف انتخابات في 2015، وبالتالي، ومع ارتفاع أسعار العقارات وصدور مقالات إعلامية عن أبنية راقية وعن مالكيها، بات في متناول السياسيين هدف سهل لتوليد إيرادات ضريبية محتملة، مع علمهم أن الناخب العادي لن يتمكن يوماً من تملك حتى شقة صغيرة في وسط لندن، ما يدفعهم إلى إيلاء أهمّية للفوارق الاجتماعية المتزايدة التي تنعكس في أسعار العقارات. ووسط مزيج يجمع بين حكومة تحتاج إلى المال وتواجه ضغوطاً سياسية لتتصدّى للفوارق الاجتماعيّة، وبين بيئة يروَّج فيها لأسعار العقارات في لندن، يمكن الاستنتاج حتماً أن العقارات اللندنيّة توفّر أرضاً خصبة لإيرادات التأجير، من شأن الحكومة أن تستغلّها كما تشاء. ولكنّ الحكومة تدرك أيضاً أن فرضها ضرائب مفرطة، أو غير متقنة، على العقارات في وسط لندن، قد يتسبّب بضرر لن يقتصر على سوق العقارات بحد ذاته، إنّما يشمل أيضاً الاقتصاد اللندني. ويمثل الاقتصاد اللندني نسبة مئوية كبيرة من إجمالي الناتج المحلي لبريطانيا عموماً. ولذلك يهمّ أن يشكّل فرض الضرائب على العقارات الغالية الثمن موضوع دراسة حثيثة. ومن شأن أيّ شخص من خارج بريطانيا أن يشتري بيتاً أو شقة أو أي عقار. وفي الماضي، حصل أشخاص كثيرون من هذا القبيل على نصائح حول موضوع الضرائب، وأُوصوا بشراء العقارات عن طريق شركات الأوفشور لتجنّب ضريبة الإرث وهي ضريبة بنسبة 40 في المئة تُفرض على قيمة الأصول في بريطانيا عند وفاة أحد الأشخاص. غير أنّ قلّة من الأشخاص فقط تلجأ اليوم إلى شركات الأوفشور لامتلاك العقارات، بعدما عمدت الحكومة إلى تغيير الأنظمة، وباتت تكاليف العقارات الأغلى ثمناً تصل إلى 140 ألف جنيه إسترليني لكل سنة. وبالتالي، وبحكم الضرورة، أعلنت الحكومة البريطانية أنها ستعمد، ابتداء من نيسان أبريل 2015، إلى فرض ضريبة أرباح رأسماليّة على أي مكاسب عقارية يحقّقها مالك أجنبي لأحد العقارات في بريطانيا. فماذا يعني ذلك؟ سيعني أنّك ستضطر إلى دفع ضريبة في حال كنتَ مقيماً خارج بريطانيا، وبعتَ عقاراً في بريطانيا بعد نيسان 2015، وحقّقت ربحاً رأسمالياً عليه. وفي سبيل تجنّب أيّ مفعول رجعيّ لهذه الأنظمة، لن تفرض الحكومة ضرائب إلا على زيادة القيمة المسجَّلة بعد نيسان 2015. ويعني ذلك أن أي شخص من خارج بريطانيا سيضطرّ إلى القيام بعمليّة تقويم في نيسان 2015، ليثبت ما تساويه قيمة عقاره في ذلك التاريخ، في حال أراد أن يبيعه مستقبلاً. ولا شك في أن الطابع غير الرجعي المفعول للنظام الصادر بث ارتياحاً كبيراً في النفوس، نظراً إلى أنّ العقارات التي ارتفعت قيمتها في الماضي لن تخضع لأي ضريبة على هذه "المكاسب السابقة". وبالتالي، ستتمكن الحكومة من القول، إن ابتداء من نيسان 2015، سيخضع الأشخاص القادمون من خارج بريطانيا، والذين يملكون عقارات في البلاد، للمعاملة ذاتها التي يخضع لها الأشخاص المقيمون في بريطانيا. وستتمكّن من القول إنّها منصفة، وبأنّها أدرجت الأنظمة بهدوء وبراعة، ما سمح بتجنّب تهافت مفاجئ على البيع، فما يحصل هو أنّها لا تريد أن تشهد على انهيار لسوق العقارات اللندني. وبالتالي، ما القرارات والمسائل التي يجب أن يأخذها في الحسبان شخص غير مقيم في بريطانيا، إنما يملك عقاراً فيها؟ فهل من المناسب أن يواصل المرء امتلاك العقار، ما دام من الأصول الطويلة الأمد المعدّة للاستعمال الشخصي أو للاستثمار؟ قد يُستحسَن التفكير في بيعه قبل نيسان 2015. وقد تتزايد المبيعات في شكل طفيف، مع احتمال تقديم موعد بيع عقارات كان ليحصل بعد نيسان 2015 بوقت قصير. وفي حال اتّخذ المرء قراراً بالاحتفاظ بعقاره، من الضروري تقويمه في نيسان، ترقّباً لأيّ ضريبة أرباح رأسماليّة قد يجب احتسابها في المستقبل. وتُفرَض ضريبة أرباح رأسمالية بنسبة 28 في المئة على أي أرباح متأتّية عن البيع. ويحق للبائع حسم كلفة العقار وكلفة أي تحسينات رأسمالية عند احتساب الأرباح الرأسماليّة لغايات ضريبية. ويُرجّح أن تُفرَض الضرائب بالطريقة ذاتها على الأشخاص المقيمين ليوم أو غير المقيمين، وقد يرى كثيرون أن الأمر منصف. ولكن في عالم يحتاج فيه المستثمرون إلى حوافز، قد يُنقص الأمر من الطابع التنافسي لبريطانيا. وعليه، يبقى أن نرى كيف ستوجد الحكومة توازناً بين ضرورة الحفاظ على مقام بريطانيا كوجهة جذابة لرأس المال الدولي، وبين الحاجة إلى توليد إيرادات ضرائب من كل المستثمرين الذين تودّ البلاد استقطابهم.