لا بُدَّ من أنّ أيّ ممثل مسرحيّ لديه هاجس الاحتفاظ بالجمهور، ومَنْعه من مغادرة عرض طويل زمنياً، منعه بطُرق تمثيلية مسرحية ودّية واحترافية. وقد سبق للممثل السوريّ محمد آل رشي أنْ دخل هذه الرهان في عرض غلغامش للمخرج الفرنسيّ باسكال رومبير، في العام 2000، وشارك العرض، وقتها، في برنامج مهرجان أفنيون الأساسي، كما جال في فرنسا مع خمسة عشر ممثلاً من سورية وفرنسا وأميركا. وكان التحدّي في هذا العرض، كما يقول آل رشي:"تقديمه في مكان غير مريح الجلوس فيه، ثم الاحتفاظ بالجمهور، الذي لم يغادر منه أكثر من أربعة أشخاص، على مدار أيام العروض". يبدو آل رشي مختلفاً كممثل مسرحيّ من هذه الناحية، فهو أعاد تجربة العرض المسرحي الطويل زمنياً في عام 2008، مع المخرج السوري سامر عمران في مسرحية"المهاجران" للكاتب البولوني سوافومير مروجيك، إذ حُشر الجمهور مُدَّةَ ثلاث ساعات في ملجأ حربيّ قديم في دمشق. وكان الجدال بين العامل البسيط آل رشي والمثقف المعارض الهارب سامر عمران جدالاً يمكن عكسه على المرحلة السورية الحالية، جدالاً بين مُحرِّكي النضال ومُنظِّريه، وتحوّلت المسرحية لاحقاً إلى فيلم سينمائيّ، مستفيدةً من الرؤية الدراماتورجية للمخرج أسامة غنم. بقي آل رشي بعيداً من الخشبة مُدّة عشر سنوات، إلى أن كانت مشاركته في عرض"المهاجران"، الذي قُدِّم نحو مئة مرّة، وكان سبب ابتعاده هو اعتراضه على معالجة المخرجين البسيطة للنصوص المسرحية:"كانت النصوص الأجنبية عُرضةً للاختصار، من دون أفُق لتطويرها، يتم حذف المشاهد والمقاطع التي لا يفهمها المخرج والممثلون. وساهمت ديكتاتورية المخرجين السلبية، واستعراض خيالهم الشكلانيّ في نفوري من المسرح". تعلّم الممثل آل رشي من تجاربه الأولى أنْ ليس هذا المسرح المنتشر هو ما يريده من المسرح السوري تحديداً، وقد حقّق الممثل وجهة نظره مع القدرة على إبقاء الجمهور مدة ثلاث ساعات، ليدلّ العرض كما يشير على إيقاع المسرح السليم:"المشكلة ليست في الوقت، المشكلة هي في ما يُقدَّم، هناك مسرحيات مدّتها نصف ساعة، يمضي فيها الوقت ببُطء". أعاد آل رشي، هذا العام، صراعه الزمنيّ مع الخشبة، في مسرحية"العودة إلى البيت"، نص هارولد بنتر، وإخراج أسامة غنم، التي قُدِّمت في دمشق، إذ كانت مدة العرض ثلاث ساعات أيضاً، تخلّلتْها استراحةٌ مدّتها ربع ساعة. لم يشعر الجمهور خلال العرض بالوقت، كما لاحظ آل رشي في أجوبة الحاضرين حول طول المسرحية، التي مثّل فيها دور الأب ماكس أو عبّاس وفق المقاربة السورية، وسيُعرض العمل في الشهر الأول من السنة المقبلة في بيروت، ويتحدّث العرض عن جدلية الابن الأكبر الذي يعود بعد سنين من تغيبه، مع زوجته المختلفة في بيئتها وطباعها. وتعالج المسرحية نظرة الابن المثقف إلى واقعه، ثم نظرة زوجته إلى هذا الواقع. هكذا نتعرّف إلى الأنا ونظرتها إلى الآخر، ونظرة العائلة البدائية إلى المرأة وأحاديتها، ومن ثمّ يتمّ التساؤل عن معنى الرجوع إلى منزل الأهل. ما التقاطع بين ما تقوله الحياة وما تقوله الخشبة؟ يقول آل رشي عن ذلك:"في الحياة يمكن أن يحدث كثير من الأشياء، ولكنْ في المسرح نحن نقول أموراً مُعيّنة لنعني بها ما نريده، لذا لا مقارنة بين المسرح والحياة". وعن إمكان تناول الواقع السوري السياسيّ اليوم في المسرح، يقول:"أعتقد أنّ الأمر يحتاج إلى وقت، لأننا تحت تأثير الواقع، ولم نخرج منه، ونحتاج إلى وقت لاستخلاص العبر من التجربة التي نمرّ بها". ويرى آل رشي أنه من غير المعقول استخلاص شيء في الوقت الراهن من الواقع مسرحياً، وسيكون ما سيُقدَّم تحت وطأة العاطفيّ والانفعاليّ. أسّس الممثل السوريّ 43 سنة مع المسرحيين أسامة غنم وديمة أباظة، مختبر دمشق المسرحي"الذي أقام ورشات عمل مسرحية عدّة، إلى الآن، وأخرج ثلاث مسرحيات هي، مونودراما"شريط كراب الأخير/" للأرلندي صموئيل بيكيت، التي مثّلها آل رشي منفرداً، و"العودة إلى البيت"، والعرض المسرحي التجريبيّ"حدث ذلك غداً"، الذي اعتمد نصوصاً مسرحية عدّة، أهمّها مونولوغ"حدث ذلك غداً"لداريو فو. يقول:"كان ردّنا على الواقع المسرحيّ السوريّ في شكل عمليّ مع مختبر دمشق، فنحن نستكشف طريقة عملية وحقيقية وجدّية لآلية العمل في المسرح الواقعيّ". آل رشي مدرّس مادّة التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق، سيُقيم مُحترَفاً بيروتياً لإعداد الممثل، يبدأ في 6 تشرين الثانينوفمبر 2013، ويستضيفه مسرح دوار الشمس، يشاركه في الإشراف عليه الممثل السوريّ محمد حداقي، ويتضمّن المحترف مراحل تمثيلية متعددة. وسيعمل المشرفان مع المشاركين، على أساسات التمثيل وتقنياته ومهاراته، كما سيعتمد المنهج التدريسيّ في هذا المُحترَف على قواعد المسرحيّ ستلانفسكي.