افتتح الأوتوستراد الجديد الذي يربط بريشتينا عاصمة كوسوفو بتيرانا عاصمة ألبانيا ومنها مباشرة الى مدينة دورس على ساحل البحر الأدرياتيكي والتي لا تبعد سوى 30 كيلومتراً عن تيرانا. وكان الافتتاح الرسمي حدث قبل حوالى شهر أيضاً، حيث تحول هذا الى حدث كبير يؤشر الى تغير جيواستراتيجي واقتصادي سياسي مهم في البلقان. ففي نهاية الشهر المنصرم كان 30/5/2009 يوماً مشهوداً عند الألبان في البلقان، حيث «هدم» الجبل الذي كان يفصل بين ألبانيا وكوسوفو ليدشن بذلك الطريق السريع الذي يحول بالفعل كوسوفو إلى دولة متوسطية. ففي ذلك اليوم جاء رئيس الحكومة الألبانية صالح بريشا من تيرانا ورئيس الحكومة الكوسوفية هاشم ثاتشي من بريشتينا ليلتقيا في وسط النفق الطويل (5 كيلومترات) الذي يخترق جبل كاليماش الذي يفصل بين ألبانيا وكوسوفو. ومع الأوتوستراد الجديد الذي احتفل بإنجازه الآن أصبح السفر من بريشتينا إلى تيرانا مريحاً وسريعاً لا يحتاج الى أكثر من 3 ساعات، وهو ما كان يعتبر بمثابة «الحلم القومي». وقد تأخر إنجاز مثل هذا «الحلم» بسبب النفقات الكبيرة للمشروع الذي كان يتطلب الكثير من الجسور (27 جسراً) والأنفاق كان آخرها نفق كاليماش الذي يعتبر من أطول الأنفاق في البلقان. وهكذا فقد قيل الكثير في هذا اليوم الحاشد على لسان صالح بريشا وهاشم ثاتشي حول مغزى ما تحقق بالفعل. فقد اتفق الاثنان على تسمية النفق الأخير ب «نفق وحدة الأمة»، وإن كان بريشا حاول أن يوسع ذلك بالقول أنه يوحد أيضاً شعوب البلقان (الصرب والبلغار والمكدونيون) التي أصبح لها طريق مختصر نحو ساحل البحر الأدرياتيكي. وفي ذلك اليوم كان هناك من يتذكر قيام الألمان بهدم «سور برلين» في 1989، ولكن الألبان شعروا بأنهم في 2009 قاموا بهدم «جبل كاليماش» الذي يفصل بين ألبانيا وكوسوفو. وبدأت هذه التطورات على الأرض بعد 1999. فبعد عقود من العداء السياسي والايديولوجي بين ألبانيا ويوغوسلافيا بقيت المناطق الحدودية في طابع عسكري على رغم غناها بالموارد وجمالها السياحي. وبسبب الطبيعة الجبلية العسكرية لتلك المناطق فقد بقيت الحركة المدنية والاقتصادية محدودة جداً، وهي تقتصر على سكان القرى المتناثرة هناك. ولكن صورة المنطقة انقلبت رأساً على عقب في الطريق الرئيس بين مدينة بريزرن الكوسوفية ومدينة كوكس الألبانية (التي يمكن عبورها ب 40-50 دقيقة)، حيث أصبحت الحركة كبيرة بسبب التكامل الاقتصادي اليومي بين شرق ألبانيا وغرب كوسوفو، وبسبب المنشآت السياحية الكثيرة التي أقيمت على طول الطريق. ولكن التحدي الأكبر كان في طريق تيرانا – بريشتينا. فمع ان طول الطريق حوالى 200 كيلومتر إلا أن طبيعة المنطقة الجبلية الوعرة، التي لم «تشذب» خلال العقود الماضية، تجعل عبورها يحتاج الى حوالى سبع ساعات بالسيارة، ما يجعل الكثيرين يفضلون الطريق الأطول عبر جمهورية مكدونيا المجاورة. وبعد وعود وتمنيات دخل رئيس الحزب الديموقراطي صالح بريشا انتخابات 2004 بوعد قاطع بأنه سيدشن طريق تيرانا - كوكس، الذي يعني في الحقيقة طريق بريشتينا - دورس (على شاطئ الأدرياتيكي). وبالفعل بدأ العمل بعد فوزه في الانتخابات حيث تولت شركات ألبانية وتركية – أميركية أضخم مشروع عرفته ألبانيا بكلفة تصل الى أكثر من بليون ونصف مليون دولار. وكان الطريق يتطلب فتح أنفاق طويلة وبناء جسور كبيرة تخترق المسافات وتقلص الوقت اللازم لعبور الطريق بين بريشيتينا وتيرانا الى حوالى ثلاث ساعات ونصف ساعة أخرى للوصول الى البحر الأدرياتيكي (دورس). وخلال عام 2008 كان بريشا يتعهد دائماً افتتاح هذه الطريق خلال وجوده في رئاسة الحكومة، أي حتى حزيران 2009. وحددت الآن الانتخابات الجديدة في 28 حزيران 2009، وهي تشهد تنافساً محموماً بين الحزب الديموقراطي والحزب الاشتراكي، وهو ما يعني ان الطريق سيكون في قلب المعركة الانتخابية بل في الأيام الحاسمة منها. وفي الواقع ان هذا الطريق سيكون له نتائج بعيدة المدى بالنسبة الى كوسوفو وألبانيا وحتى الى المنطقة. صحيح ان كوسوفو في قلب البلقان والمسافة من بريشتينا الى البحر الأدرياتيكي (دورس) تكاد تعادل المسافة بين بريشيتنا وبحر ايجه (سالونيك)، إلا أن بريشتينا تفضل «الأخوة» الكوسوفية الألبانية في مواجهة «الأخوة» الصربية اليونانية. ومع صعوبة الطريق الحالية بين بريشيتنا ودورس فقد تدفق حوالى ربع مليون كوسوفي في صيف 2008 الى شواطئ دورس وجوارها، وهو ما أصبح مهماً للسياحة المتنامية في ألبانيا. ومن ناحية أخرى فإن المشاريع المشتركة بين رجال الأعمال الجدد في كسوفو وألبانيا تفضل ان يكون طريقها باتجاه دورس وليس سالونيك. ومن ناحية أخرى سيعزز «وصول» كوسوفو الى البحر الأدرياتيكي العلاقة الاقتصادية والسياسية بين كرواتيا وكوسوفو وألبانيا، التي ستكون من خلال البحر الأدرياتيكي وليس من خلال الممر الأرضي المغلق بسبب البوسنة. وبالإضافة الى ذلك فإن «وصول» كوسوفو الى البحر الأدرياتيكي يعني ما هو أهم: التواصل مع عالم المتوسط ومع العالم من خلال المتوسط. ومن هنا لم تكن مصادفة، مع اقتراب افتتاح هذا الطريق المهم (بريشيتنا – تيرانا – دورس)، أن يذهب الى تيرانا في نهاية شباط (فبراير) المنصرم وفد وزاري كوسوفي يضم 3 وزراء (وزير الاقتصاد ووزير النقل ووزير التجارة والصناعة). وخلال هذه الزيارة قدم لهم رئيس الحكومة صالح بريشا وعداً قاطعاً بمنح كوسوفو ميناء على البحر الأدرياتيكي. ومع ان الطريق الجديد يوصل بريشيتنا بالميناء الرئيس لألبانيا (دورس) إلا أن كوسوفو تفضل أن يكون لها ميناؤها الخاص. وقد قدم رئيس الوفد الوزاري الكوسوفي فاتمير ليماي رسمياً الى بريشا طلب الحكومة الكوسوفية للبدء في محادثات رسمية بين الطرفين للسماح لكوسوفو بتطوير الميناء الصغير الحالي شين جيني ليكون ميناء كوسوفو في السنوات المقبلة. ونظراً الى وصول الوفد الكوسوفي في بداية الحملة الانتخابية المبكرة في ألبانيا أصبح هذا التكامل موضوع تنافس بين اليمين واليسار. ومع أن الحزب الاشتراكي المعارض له صلات جيدة مع اليونان، في الوقت الذي يتمتع الحزب الديموقراطي بصلات قوية مع كوسوفو، إلا أن قيادة هذا الحزب رأت ألا تفوت هذه الفرصة لتسجيل موقف قوي قد يساعدها في الانتخابات المقبلة. ولذلك اجتمعت فالينتنا لسكاي رئيسة التجمع البرلماني للحزب الاشتراكي مع الوفد الوزاري الكوسوفي لتؤكد له أن الاشتراكيين (إذا فازوا في الانتخابات) لن يكتفوا بإكمال طريق بريشيتنا - دورس، وانما «سيجعلون من هذا الطريق هدفاً استراتيجياً للتعاون الاقتصادي والسياسي لمصلحة الناس الآن ولمصلحة الأجيال المقبلة». كوسوفو تتغير بسرعة خلال 2009-2010 مع افتتاح طريق بريشيتنا – دورس ومع إنشاء الميناء الخاص لها في شين جين على البحر الأدرياتيكي، وهو ما سيكون له تأثيره الكبير على المنطقة.