حاول رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي نسج علاقات مع زعماء العشائر في الموصل والأنبار ونينوى وكركوك، لمواجهة الأكراد المطالبين بضم"الأراضي المتنازع عليها"بموقف عربي موحد، غير عابئ بالتحالف الكردي-الشيعي القائم قبل احتلال العراق وبعده. لكن محاولته واجهت عقبات بعضها مرتبط بالعراق، وبعضها ذو أبعاد إقليمية، وكلها يشكل جدلية الداخل والخارج السائدة في الشرق الأوسط. في البعد العراقي الداخلي، لم يؤد ضرب المالكي ميليشيات مقتدى الصدر جيش المهدي، قبل سنوات، إلى تبرئته من تهمة تنفيذ مخطط إيراني لجعل العراق منطقة نفوذ لطهران وجسراً يربطها بسورية ولبنان وفلسطين. وعلى رغم محاولاته إعادة الضباط السابقين إلى الخدمة لحاجة الجيش إلى خبرتهم عاد بضع مئات منهم بقي متهماً بالتشدد في اجتثاث البعث وزج المئات في السجون بتهمة الإرهاب، وبمحاصرة رموز الإسلام السياسي الإخوان ممثلاً بنائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الذي حكم بالإعدام بتهمة الإرهاب، وفر إلى كردستان ثم إلى تركيا، وهو مقيم الآن، مع"إخوان"كثيرين، في قطر. خطوة أخرى اتخذها المالكي لمواجهة الطموحات الكردية بالاستقلال. تصدى وحكومته لاستئثار الإقليم الشمالي بموارده النفطية، ومشاركة بغداد بعائدات نفط الشمال لكنه ووجه بتشدد زعيم الإقليم مسعود بارزاني وبلامبالاة العرب، سنة وشيعة، ووقوف معظم زعمائهم إلى جانب الأكراد. وهكذا اجتمع هؤلاء مع القائمة"العراقية"ومقتدى الصدر لنزع الثقة منه وإسقاط حكومته في البرلمان، ولكل منهم حساباته الخاصة: بارزاني يريد إزاحة عائق من أمام طموحاته، و"االعراقية"تريد العودة إلى السلطة. والصدر يسعى إلى الانتقام وإظهار استقلاله وقوته في الوسط الشيعي، وإلى الظهور بمظهر الزعيم الشعبي العابر للطوائف والأحزاب. لكن المحاولة فشلت. أفشلها الصدر نفسه بتدخل إيراني، لم يتوان عن تأكيده ورفضه علناً، لكنه تراجع عن تعهده ل"حلفائه"زعماء الأكراد"والعراقية. ولم يكن الصدر وحده من أفشل سحب الثقة من المالكي، فالرئيس جلال طالباني لعب دوراً مهماً في هذا الاتجاه حين رفض إرسال تواقيع النواب المطالبين بإقالة رئيس الوزراء إلى البرلمان. وأوضح النائب الكردي محمود عثمان بصراحته المعهودة أن إقالة المالكي غير واردة حالياً"فهناك وساطات دولية، أطرافها إيرانوالولاياتالمتحدةوتركيا". بعد احتدام الحروب تطورت المواقف الإقليمية، ففيما استمرت طهران وواشنطن في دعم المالكي، اتخذت تركيا موقفاً معادياً له، وشجعت الأكراد على التشدد في مواجهة الحكومة الاتحادية. وبدأت التعامل معهم كأنهم دولة مستقلة زيارة أحمد داود أوغلو لكركوك من دون علم بغداد، وتوقيع اتفاقات مع بارزاني مخالفة للدستور العراقي مغدقة عليهم وعوداً بالانضمام إلى التحالف الإقليمي المناهض للنظام السوري، وفي مخططهم أن سقوطه سيؤدي إلى تقسيم العراق وسيكون لهم اليد الطولى في إعادة تشكيل"الشرق الأوسط الجديد"على أسس طائفية، يكون أكراد سورية والعراق جزءاً من المنتصرين فيه. أما الولاياتالمتحدة فما زالت على موقفها، فعلى رغم توقعها سقوط الرئيس بشار الأسد وانتشار الفوضى في الإقليم، تحاول المحافظة على"إنجازها"في العراق، لذلك تلتقي مع إيران في دعم المالكي وتدعو العراقيين إلى تسوية خلافاتهم بالحوار، ويشرف ممثلوها على المفاوضات بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان. المالكي يخوض الآن معركته في مواجهة تركيا، مدعوماً من إيرانوالولاياتالمتحدة. بقاؤه في السلطة مرهون بهذا الدعم وبتطور الأوضاع في سورية، وبقدرته على إبعاد المناطق المنتفضة عن المخطط التركي.