أجمع الصحافيون التابعون للكرملين على مقولة أن الولايات المتّحدة تدفع ثمن سياساتها الخاطئة في الشرق الأوسط، وذلك في تعليقهم على الاحتجاجات الأخيرة التي عمّت العالمين العربي والإسلامي وأدّت إلى مقتل السفير الأميركي في ليبيا. وأثلجت هذه الحوادث قلوب المسؤولين الروس الذين يرددون زعم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأن الربيع العربي هو صنيعة الاستخبارات الغربيّة، وأن من دعمتهم أداروا الظهر لأسيادهم وبدأوا بالانقضاض عليهم. لكن هذه الأبواق تنزلق الى دوامة التناقض ولا تقدّم تفسيراً منطقياً يشرح كيف تصنع الاستخبارات الغربيّة الثورات من دون أن تتوقع نتائجها. أمّا الذين اعتبروا أن مقتل السفير هو عمل الاستخبارات الأميركيّة لرفع حظوظ الرئيس باراك أوباما في الانتخابات المقبلة فيغفلون أن عمل هذه الاستخبارات والبنتاغون لا يشبه عمل الأجهزة الأمنيّة الروسيّة التي ترتكب الجرائم نزولاً عند الأوامر. ولا شك في ان موجة التظاهرات الحاليّة أضعفت شعبية أوباما، وجعلته عرضة لسهام نقد الجمهوريين. لذلك، تبدو التحليلات"الكرملينيّة"على شاشات التلفزيون بعيدة من الواقع. فالاحتجاجات التي عمّت العالم الإسلامي هي من بنات العولمة وتناقضاتها. فملايين من مسلمي العالم يشعرون بأنهم مهمّشون وخارج عمليّة النمو العالمي. وهم على ثقة بأن الغرب لا يسعى إلا الى إهانة الإسلام. وهذا دليل واضح على عقدة نقص، فوسائل التكنولوجيا الحديثة مثل التلفزيون والإنترنت سمحت لهم بالتعرّف إلى نمط الحياة في البلدان الغنية والحرة، وهم يعتقدون بأن الغرب سرق منهم فرصة العيش الرغيد. لذا، يرفض ملايين من المسلمين الحضارة الغربيّة، ويتمسكون بالحق في الاستمتاع بثمارها. وظهرت هذه المعضلة إثر هجمات 11 أيلول سبتمبر حين صُدمت واشنطن بالمسيرات العربيّة التي احتفت بالهجمات. يومها نصح المحافظون الجدد الرئيس الأميركي جورج بوش باحتلال العراق من أجل تحويله نموذجاً يحتذى وواحة الديموقراطيّة والحريّة في الشرق الأوسط العربي. ونتائج هذه المغامرة لا تخفى. واليوم أسقط"الربيع العربي"قادة مستبدين من أمثال مبارك والقذافي، وعلى رغم أن التعامل مع الديكتاتوريين العرب أسهل من التعامل مع الشارع العربي، اختارت الولايات المتّحدة مماشاة المطالب الشعبيّة، مع ما يحمله ذلك من أخطار عليها. ولا تقتصر مشكلة المسلمين هذه ومضاعفاتها على الولايات المتّحدة، فروسيا ليست في منأى عنها. ومع خروج قوات التحالف من أفغانستان في العامين المقبلين، ستتحول المشكلات الأميركيّة إلى مشكلاتنا الخاصة. حينها سنرى كيف سيقف الصحافيون الكرملينيون ليدافعوا عن الحدود الروسيّة التي يتوقع أن يعبرها آلاف الغاضبين إزاء روسيا لأنها لم تؤمّن لهم القوت. يرجّح أن تكون هذه الحوادث مؤامرة أخرى من الاستخبارات الأميركيّة سي آي إي، على الأقل من وجهة نظر الكرملين. * صحافي، عن موقع"يجيدنفني جورنال"الروسي، 17/9/2012، إعداد علي شرف الدين