تسلّمت من أحد القُراء تعليقاً مُرحّباً بعد أن كتبتُ في الشهر الماضي عن مساوئ الحكومات. وتساءل القارئ عن كيفية حل هذه المُشكلة على الرغم من انه تقبّل فكرة أن الدولة أكثر عُرضة للفشل من القطاع الخاص. وسألني"كيف يمكن لحكومة ما أن يكون مظهرها وعملها كما القطاع الخاص؟". إنه سؤالٌ وجيه ولكن قبل الإجابة عنه يجب أن نتأكد من أننا نفهم مصطلحات الإشارة وطبيعة الكيانين اللذين نقارن أحدهما بالآخر. ما هي الحكومة؟ لنبدأ بالحكومة - أو لنسمِّها الدولة، فبالإضافة إلى الأمور الواضحة مثل كون الحكومة عبارة عن إقليم وسكان مُحدَّدين، فإن الشيء الذي يُعرّف الدولة هو ما يُسمّى"الاحتكار الشرعي لاستخدام القوة"ضمن حدودها. وبالفعل فإن تعريف الدولة الذي يُقدّمه لنا علم السياسة هو التعريف الذي يتم تدريسه في الأيام الأولى لكل درس تعريفي لعلم السياسة. ويحمل هذا التعريف على مضمون يقول إن الدولة وفقط الدولة تستطيع استخدام القوة الإجبارية أو منع سلوك مُعين، وبعبارة أخرى يتم تعريف الدولة طبقاً لحقوقها الحصرية في استخدام العُنف. وبالطبع، فبما أن الدولة هي عبارة عن كينونة مجرّدة فقط، فإن الاحتكار القسري في التطبيق يعود إلى الفرد"المسؤول". ويمكن تحديد هذه السُلطة بطريقتين وهما: القانون أو القوّة. وعلى سبيل المثال، ينصاع الجيش في الولاياتالمتحدة الأميركية لأوامر الرئيس الأميركي للقيام بهجوم نووي كاسح في أي وقت وحتى الساعة 11:59 من صباح يوم تسليم سلطته لرئيس آخر. وعند منتصف النهار وطبقاً للقانون فإن هذه القوات العسكرية من شأنها أن تهمل هذا الشخص. وعلى العكس من ذلك، فإن السلطة السياسية في سورية قد غيرت الكثير من مواقفها مرّات عدة، وذلك بالاعتماد على الشخص الذي يمكنه استخدام العُنف الجسدي على نحوٍ أكثر نجاحاً ضد مُعارضيه. وبذلك يبقى الرئيس السوري في الحكم طالما يمكنه استخدام ذلك التهديد بالعنف. يواجه النظام السوري ثورة كبيرة استقبلها بالقمع الوحشي. ألا يُظهر ذلك أن هذا الأمر غير شرعي وعلى نحوٍ واضح؟ بالتأكيد. ولكن أيقول أحدهم إن نظام بشار الأسد ليس بحكومة حقيقية لأنها قاسية جداً؟ لقد حدَّدَتْ منظمة البيت الحر في المسح الدولي السنوي لها، بلداناً قليلة على أنها"حُرّة"وذلك في كل سنة منذ طبعتها الأولى في عام 1973. فهل يدّعي عُلماء السياسة أن اغلب البُلدان ليس لها في الحقيقة حكومات لأنها وحشية بحيث لا يُمكن اعتبارها شرعية؟ بالطبع لا، لأن ذلك لا يتعدّى ادعاءهم أن الحكومات التي يُشار إليها على أنها"حُرّة جُزئياً"لها حكومات"جزئية"في الواقع والتي هي تقريباً شرعية ولكنها إلى حدٍ ما ليست كذلك. ولنكن بُلَداء ونقُل إن مِعيار"الشرعية"لا يعني إلا القليل. فكم من حكومةٍ لم يتم الاعتراف بها فقط لأنها غير شرعية؟ ولننعم النظر في المجلس الوطني الانتقالي الليبي الذي تم الاعتراف به كحكومة حقيقية لليبيا بعد أن فقدت قوات مُعمّر القذافي السيطرة على مساحات واسعة من البلاد بعبارة أخرى عندما فقدت هذه القوات القدرة على احتكار القوة. ومع ذلك فإن النظام السوري يملك سيطرة شبه كاملة على مناطِقه ولا يزال مُحافظاً على القبول الدولي العام كسلطة. ولِمَ لا والمذبحة التي تمّت بحق عشرات الآلاف رداً على انتفاضة حصلت قبل ثلاثة عقود لم تُلحِق الأذى بالمَكانة الدولية للبلاد. بذلك تكون القيمة الدولية لهؤلاء في خطر من دون احتكار للسُلطة. ومن دون أي إشارة إلى موافقة الأشخاص المحكومين الشعب، فإن هؤلاء هم لاشيء عدا نظام ديكتاتوري آخر. وما أن نضع معيار"الشرعية"الذي لا معنى له جانباً، نرى أن الصفة الحقيقية الوحيدة التي تُعرّف الحكومة هي احتكار القوة. وهذا الشيء صحيح بغض النظر عن كون الأشخاص في السلطة قد حصلوا عليها بالقانون أو بالقوة. على الرغم من أن حكومة كندا تختلف اختلافاً كبيراً عن حكومة زيمبابوي، يتم تعريف كلا الكيانين بقدرتهما على استخدام العنف ضد الأشخاص الذين يتصرّفون على نحوٍ غير قانوني. وبالطبع فإن عملية تعريف ما هو غير قانوني أقل اعتباطاً بكثير وأكثر ديموقراطيةً وأكثر شفافيةً في كندا، ومن يقول أن كلا الحكومتين يستخدم عملية احتكار السلطة بالطريقة نفسها فهو مجنون. ولكن بغض النظر عن عملية تحديد السلوكات الممنوعة والإجبارية، فإنه في النهاية تعمل كل حكومة على مُعاقبة الذين يفشلون في الانصياع لقوانينها عن طريق مُصادرة مُمتلكاتهم أو حرياتهم أو كليهما. ما هو العمل الخاص؟ إن كان يُمكن تعريف الدولة بناءً على قدرتها في استخدام القوة لفرض سلوك مُعيّن بالإكراه، فإنه يمكن تعريف العمل الخاص بناءً على عدم مقدرته على فعل ذلك. يمكن للمؤسسات أن تؤثر على السلوك وهي تحاول ذلك بالفعل: ففي عام 2010 أنفقت صناعة الأطعمة السريعة 4.2 مليار دولار على الإعلانات، بينما أنفقت شركات التبغ 10 مليارات تقريباً لإقناع الناس بشراء منتجاتها. ومع ذلك ومهما تحاول هذه الصناعات فإنه لا يستطيع أي منها وأعني بذلك أي صناعة أن تفعل أي شيء حيال مُستهلك غير مهتم بمنتجاتها. وتقريباً ليس هناك أي دولة لها ثروة وتأثير اقتصادي مُشابه لما تملكهُ كل من شركة مكدونالدز للأطعمة السريعة ونايكي للتجهيزات الرياضية وكوكا كولا وأسواق وولمارت الكبير وأكسون وجنرال موتورز للسيارات. ومع ذلك تفتقر هذه الشركات إلى السلطة التي تملكها حتى اصغر الإدارات في أي قرية، ألا وهي المقدرة على تهديد شخص ما بالقوة في حال رفضهِ إتباع سلوك تريدُ منه أن يتّبعه. إن هذه الصفة ليست حِكراً على العمل الخاص: فهي تنطبق على أي كينونة ذات عمل خاص ومن أي نوع. وهي تنطبق على المنظمات الخيرية والمنظمات غير الربحية والمجتمعات الصغيرة والكنائس وكل أنواع المنظمات. وكذلك تنطبق على أكثر العناصر الأساسية لبناء الديموقراطية والذي هو جزء من القطاع الخاص، ألا وهو الفرد. وإن الأداة الوحيدة التي يستخدمها القطاع الخاص لجعل الآخرين يفعلون أو يمتنعون عن فعل شيء مُعين كالإقلاع عن التدخين أو إعادة تدوير المواد البلاستيكية أو المعدنية أو الزواج وإلى آخره هو الإقناع. وإن التجأ شخص من القطاع الخاص إلى العنف، فإننا نرى هذا الفعل على انه انتهاك وننظر إلى الطرف المُذنب على انه مُعتدٍ يستحق العقاب. هناك استثناء جزئي للقاعدة ضد الإكراه من جانب القطاع الخاص، ففي بعض الأحيان يدفع كيان من القطاع الخاص الدولة إلى استخدام القوة بالنيابة عنها. فعلى سبيل المثال يتم إجبار شخص ما على تسليم بيته لاختصاصي التنمية الخاصة عن طريق الطلب من دافعي الضرائب تعويض المؤسسات والشركات عن خسائرها أو عن طريق منع المستهلكين من الاستخفاف بالمُنافسين. وغنيٌ عن القول إن الأشخاص الذين يتسلمون المُساعدات من الدولة هم عادةً من الذين لديهم المال والسُلطة والعلاقات. إن هذه الظاهرة المعروفة بالرأسمالية الصديقة هي فعلاً مثال آخر على استخدام الدولة للقوّة من اجل إجبار الأفراد على القيام بفعل مُعيّن أو منعه. * كاتب كندي المقال ينشر بالتعاون مع"مشروع منبر الحرية" www.minbaralhurriyya.org