يرجح أن تثير صور مباريات التنس كرة المضرب الاحترافية الأولى في ختام الستينات في نفوس شباب اليوم السؤال نفسه الذي يراودهم حين يرون بنطال"رجل الفيل"ورقبة القميص الطويلة أو حين يسمعون أن الحياة كانت من غير إنترنت. فلسان حالهم هو"كيف كانت الحياة ممكنة يومها؟". فمباريات التنس الأمس هي غير مباريات اليوم. وأوجه الشبه ضعيفة بين اللعبة التي يمارسها اليوم أبطال رياضيون من أمثال الإسباني رافاييل نادال أو الصربي نوفاك ديوكوفيتش وبين اللعبة التي مارسها أسلافهم، على رغم أنها تحمل الاسم نفسه. وخطوط اللعبة العريضة لا تزال نفسها: لاعبان متقابلان يحاول كل منهما تمرير كرة صفراء وراء الشبكة الفاصلة بواسطة كرة مضرب. ولكن اللعبة تغيرت وانقلبت أحوالها رأساً على عقب. وهي لم تعد اللعبة نفسها، على قول يانيك نوا آخر لاعب فرنسي حصد لقب دورة فرنسا المفتوحة رولان ? غاروس في 1983. فهو مر أمام تلفاز ينقل مباراة كرة مضرب في نيويورك في أيلول سبتمبر الماضي. وحسِب للوهلة الأولى أنه يشاهد لعبة فيديو الضربات المسددة فيها الفائقة القوة والسرعة... وفي نهائيات دورة رولان ? غاروس الأحد المقبل، يتوقع أن يتواجه نوفاك ديوكوفيتش ورافاييل نادال. وارتقى أفضل لاعبين في العالم بكرة المضرب إلى ذروة جديدة ومصاف جديدة في كانون الثاني يناير الماضي في نهائيات"أوبن أستراليا"بطولة أستراليا المفتوحة. والمباراة هذه هي الأطول في التاريخ، وفاز بها ديوكوفيتش بعد 6 ساعات 5 ساعات و53 دقيقة على وجه التحديد من مواجهات مذهلة حبست أنفاس عالم كرة المضرب."وسبق لي التواجه مع منافسين أقوياء البنية يمكنهم اللعب في مباراة طويلة، ولكن طريقة لعب ديوكوفيتش ونادال كانت أشبه بسباق عدو سريع"، يقول مندهشاً بطل العالم السابق، الأميركي أندري أغاسي. ولم يصدق آندي روديك، وهو كذلك بطل العالم السابق في التنس، عينيه إثر متابعته المباراة هذه، وقال:"كانت أشبه بالحرب. فحركة الأجسام تغيرت في الأعوام الأخيرة في عالم التنس". وينبه مدير المركز الفرنسي التقني الرياضي السابق، باتريس دومينغيز، إلى أن بنية اللاعبين الجسدية تغيرت. وصارت قامتهم أطول، وأوزانهم أثقل، وبنيتهم أضخم، وحركتهم أسرع وأكثر مرونة. وفي أوساط اللاعبين الشباب، بلغ معدل طول قامة أبرز 15 لاعباً 1.88 متر، بعدما كان المعدل هذا 1.80 متر في 1973. وفي الماضي كانت مواصفات لاعبي اليوم الجسدية حكراً على الأبطال، ولم تكن هي المعيار المتعارف عليه. واليوم لن يفلح لاعب موهوب يعرف كيفية تسديد ضربة جيدة في تجاوز عتبة اللاعب الرقم ألف عالمياً، ولن يصل إلى مرتبة اللاعب الرقم 200. ولا يخفي المدرب الأميركي، نيك بوليتيري، وطرق تدريبه المرهقة الذائعة الصيت، إعجابه بلاعبي اليوم والتزامهم اللياقة البدنية. ويرى باتريس هاغليور، مدير المركز التقني الفرنسي ومدرب يانيك نوا السابق، أن تطوير أدوات كرة المضرب ساهم في هذا التغيير. فالمضرب لم يعد مصنوعاً من الخشب، بل من الرصاص الخفيف الوزن. وصار أشبه بمنجنيق هائل الضربات. ويقول يانيك نوا:"في الماضي، كان اللاعب يستنفد قوته كلها، قوة اليدين وقوة أصابع القدمين في استخدام المضرب القديم لإرسال كرة بسرعة 180 كلم في الساعة، اليوم تستطيع بنت صغيرة استخدام المضرب على هذا المنوال من غير صعوبة أو عسر. ويتحدر نوا من أول جيل بادر إلى الاعتناء بشؤون اللياقة الجسمانية إلى جانب شؤون مهارات التنس. وتدريب مهارات اللعبة كان يستغرق 4 ساعات، تقابله ساعة واحدة مخصصة للتمارين الرياضية. واليوم يحيط باللاعب فريق متكامل: مدرب رياضي، وطبيب، ومدلك مختص، واختصاصي تغذية. ف50 في المئة من الأداء الرياضي يعود إلى التغذية السليمة، على قول برنار مولافان. فاللاعبون يتجرعون مشروبات الطاقة طوال المباراة. ويتناولون فور انتهاء المباراة ألواحاً غذائية غنية بالبروتين والأملاح المعدنية، ويلتزمون حمية غذائية خاصة. وأطلق كل من ايفان ليندل ومارتينا نافراتيلوفا في الثمانينات حميات غذائية خاصة بالرياضيين، إثر اتباعهما حملة الطبيب هاس الشهيرة، وقوامها الاستغناء عن اللحوم الحمراء ومنتجات الحليب والمياه الغازية. ولاحظ ديوكوفيتش في 2010 أن امتناعه عن مادة الغلوتين الموجودة في القمح والشعير ومشتقاتهما عزز قدراته الرياضية. والى وقت قريب، درج اللاعبون على الخضوع للتدليك بعد المباراة وعلى المشي بوتيرة معينة. واليوم، أضيف إلى تمارين ما بعد المباراة ركوب الدراجة، والعلاج بتبريد الخلايا، والجلوس في غرفة مغلقة معدل الأوكسيجين فيها منخفض لمحاكاة ظروف التنفس في المرتفعات وتحسين بعض المؤشرات الدموية. فمثل هذه الغرف يسمح باستعادة النشاط بعد موسم محتدم الوتيرة، يقول اللاعب الصربي نوفاك ديوكوفيتش، على صفحات صحيفة"وول ستريت جورنل"التي كشفت أنه ينعزل في قمرة قليلة الأوكسيجين في نيويورك من حين إلى آخر. ومعايير أداء لاعبي التنس تتطور. والأغلب أن يكون الاستهجان لسان حال جيل 2050 حين يرى صور مباريات اليوم، فيقول:"أتسمّون هذا اللعب تنس"؟ * صحافي، عن"لوموند"الفرنسية، 26/5/2012، إعداد منال نحاس