تشهد الدراما العراقية هذه الأيام حراكاً يعد سابقة بعدما شرعت عشرات الفضائيات العراقية أبوابها للتصوير والإنتاج الدرامي داخل العراق بعدما هجرته قسراً على مدى الأعوام الماضية منذ عام 2003. ففي السنوات الماضية تركزت عمليات تصوير الأعمال الدرامية العراقية في سورية وأحياناً في لبنان خارج سياقات ومواصفات البيئة العراقية. وكان يشارك فيها مخرجون من سورية والأردن إلى جانب طاقم تقني وفني عراقي واسع. واليوم بدأت الدراما العراقية رحلة العودة إلى النبع في"هجرة معاكسة"جلبت معها أيضاً بعض المخرجين والفنيين المحترفين من الأردن وسورية لإنجاز مجموعة من الأعمال داخل العاصمة العراقيةبغداد. وكانت الدراما العراقية شهدت في ثمانينات القرن العشرين زخماً مع استقدام المخرج المصري الراحل إبراهيم عبد الجليل لإخراج مسلسلين لتلفزيون العراق آنذاك ما زالا يعدان من أفضل الأعمال الدرامية العراقية، وهما"الذئب وعيون المدينة"والجزء الثاني منه الذي حمل عنوان"النسر وعيون المدينة". وشارك في بطولتهما آنذاك نخبة من عمالقة الفن العراقي مثل خليل شوقي وجعفر السعدي وبدري حسون فريد وسامي عبد الحميد وسليم البصري وقاسم الملاك وطعمة التميمي وفوزية عارف وفاطمة الربيعي وسناء عبد الرحمن وزهرة الربيعي وغيرهم في حين كان النص للكاتب عادل كاظم الذي عرف بنصوصه المسرحية المهمة. واليوم تتجدد هذه التجربة مع أربعة مسلسلات عراقية يجري تصويرها وإنجازها في العراق وفي مقدمها مسلسل"بنت المعيدي"لعادل كاظم وإنتاج"قناة الرشيد الفضائية"وتنفيذ"شركة فنون الشرق الأوسط للإنتاج والتوزيع الفني"المعروفة بإمكاناتها وتجاربها الناجحة في هذا الميدان، فيما يحمل الإخراج توقيع المخرج الأردني بسام سعد الذي أخرج لقناة"البغدادية"العراقية مسلسل"بيوت الصفيح"بعد سلسلة من الأعمال الدرامية الأردنية والمصرية والخليجية، فضلاً عن كونه على معرفة وتماس مباشرين مع البيئة العراقية لكونه درس السينما في أكاديمية الفنون الجميلة في جامعة بغداد. ويقوم مخرج أردني آخر له علاقة واسعة بالدراما العراقية أثناء هجرتها إلى سورية، بإخراج مسلسل"أعماق الأزقة"للكاتب باسل الشبيب عرض له في رمضان الماضي مسلسل"طائر الجنوب" وإنتاج قناة"العراقية الفضائية"الوريث الشرعي لتلفزيون العراق الذي ألغي مع اجتياح القوات الأميركية للعاصمة العراقيةبغداد في التاسع من نيسان أبريل 2003. المخرج هو أيمن ناصر الدين الذي له تجارب في قناة"السومرية منها"ايدز"،"دورة زمن"،"عائد من الرماد"و"شوك الصحاري"لقناة"الرشيد"و"وكر الذيب"لقناة"البغدادية"، ما جعل منه عارفاً بقدرات الفنانين وطبيعة وأجواء ومناخات الدراما العراقية. ويتولى المخرج السوري عبد الباري أبو الخير إخراج المسلسل الثالث لحساب قناة"البغدادية"، عن عالم الاجتماع العراقي الراحل علي الوردي الذي يعد من أبرز الكتاب العراقيين الذين تناولوا طبيعة المجتمع العراقي، وتحليل شخصية الفرد العراقي، ومن أبرز مؤلفاته:"مهزلة العقل البشري"،"وعاظ السلاطين"،"خوارق اللاشعور"،"لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث"وهو من 8 أجزاء،"قصة الأشراف وابن سعود"، و"أسطورة الأدب الرفيع". وكان مسلسل أبو الخير"الحسن والحسين"أثار جدالاً واسعاً في الشارع العراقي، أفضى إلى أن يصوت مجلس النواب العراقي بالإجماع على منع عرضه بناءً على طلب تقدمت به لجنة الأوقاف والشؤون الدينية موقعة من مئة نائب. ومن المتوقع أن يمنع مسلسله الجديد من العرض أيضاً، بطلب من عائلة الوردي التي أعلنت رفضها للعمل، وهددت باللجوء إلى القضاء في حال إصرار قناة"البغدادية"على إنتاج هذا المسلسل الذي أعده الكاتب عباس علي. ويحمل مسلسل"خارطة الطريق"اسم مخرج سوري آخر هو غسان عبد الله الذي يخوض، للمرة الأولى، تجربة الإخراج التلفزيوني بعد سلسلة من الأعمال السينمائية السورية، ما قد ينعكس إيجاباً على الدراما العراقية، بما أن الدراما السورية كانت كسرت جدران الاستوديوات الجاهزة، وخرجت إلى الفضاء الطلق مستفيدة من الرؤية واللغة السينمائية. يذكر أن المسلسل يصوّر لحساب قناة"العراقية الفضائية"، وتنفذ إنتاجه شركة"درب التبانة"عن نص الكاتب العراقي سعد هدابي، وتجري أحداثه بين تركياوالعراق. ولم يمر دخول هذا العدد من المخرجين العرب إلى عرين الدراما العراقية في الداخل من دون أن يثير حفيظة بعض المخرجين العراقيين ممن لم تتوافر لهم فرصة الإخراج هذا الموسم، فوجّهوا سهام نقدهم لهذه الخطوة وعدوها مزاحمة لهم في رزقهم. لكن هذا الأمر لم يمنع مخرجين آخرين من إنجاز أعمال درامية أخرى داخل العراق وخارجها، كما هي الحال مع المخرج حسن حسني الذي صور في لبنان مسلسلاً عراقياً لحساب قناة"السومرية"العراقية، عن نص للكاتب باسل الشبيب الذي لعب دور البطولة فيه إلى جانب عدد من نجوم الفن العراقيواللبناني. وكذلك الحال بالنسبة إلى المخرج علي أبو سيف الذي عمل على إخراج مسلسل"أيام الخلود"للكاتب صباح عطوان في العاصمة الأردنيةعمان.