انطلق سباق المبادرات في ظل ازدياد العنف كوسيلة لحسم الصراع في سورية والانسداد الكلي لأفق الحل السياسي واقتراب سورية من السقوط في هاوية الحرب الأهلية والصراع المذهبي واعتراف كوفي أنان بأن خطته وصلت الى طريق مسدود اذا ترك وحده من دون ما يفترض ان يكون هناك توافق دولي ضاغط وداعم لهذا الدور كشرط ضروري لإعطاء صدقية لخطته. مجموعة"النواة الصلبة"في مجموعة اصدقاء الشعب السوري التي اجتمعت في اسطنبول قررت تصعيد الضغوط السياسية والاقتصادية عبر مجلس الأمن الذي تبقى أبوابه موصدة والمفتاح بيد الثنائي الروسي-الصيني، على السلطات السورية وعبر الاجتماع المقبل لمجموعة أصدقاء الشعب السوري، لكن الكل يدرك أن هذه الأوراق لا تستطيع ان تفي بالغرض من حيث تطويع الموقف الرسمي السوري. كوفي أنان أطلق مبادرة لمجموعة اتصال حول سورية تضم القوى الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الى جانب عدد من القوى الاقليمية، وهذه آلية كان يجب إطلاقها منذ زمن، فهي تشكل إطاراً حوارياً يسهل بعد ذلك الذهاب الى مجلس الأمن اذا ما حصل تفاهم تحديداً بين القوى الخمس صاحبة حق النقض. هذه الآلية تشكل أصلاً اعترافاً بأن روسيا أساساً ومعها الصين في شكل أقل تمسكان بعدد من الأوراق السورية وأنه لا يمكن تجاهلهما وعدم الاعتراف بموقعهما كشركاء في الملف السوري اياً كان الخلاف حول موقفهما في هذا الملف. روسيا الاتحادية أطلقت أيضاً فكرة مؤتمر دولي حول سورية يضم تقريباً الأعضاء الذين اقترحهم كوفي عنان ليكونوا ضمن مجموعته. لكن المشكلة ان المشروعين يقترحان ضم ايران اليهما وهذا يشكل اعترافاً مسبقاً من التحالف الغربي-العربي، اذا ما قبلا به ولم يقبلا بالطبع، بأن ايران شريك في التسوية وليست احد مصادر المشكلة السورية من منظورهم. ودخلنا في منطق أولوية البيضة ام الدجاجة، فهل تكون سورية المدخل للتفاهم الكبير مع ايران ام ان الملف النووي هو المدخل الى ذلك، الى جانب وجود نقاط صدام عدة مع ايران تمتد من الخليج الى المشرق مما يصعب على الأطراف العربية-الغربية قبول ايران كشريك في تسوية الأزمة السورية في هذه المرحلة، ومع التذكير بأن جزءاً أساسياً وهاماً من الصراع حول سورية من منظور القوى الخارجية هو صراع مع السياسة الايرانية لسورية وانحيازها الكلي الى طهران. الموقف الروسي والصيني في خلافهما حول موقع سورية في استراتيجيتهما الإقليمية زاد في حدته"التجربة المرة"التي مرا بها في الملف الليبي، ولكن هنالك جوانب أخرى لهذا الصراع، منها ما هو مفاهيمي يتعلق بالصراع بين مفهومي السيادة المطلقة والسيادة النسبية التي تقوم على مفهوم التدخل الإنساني وكذلك على مفهوم مسؤولية الحماية الذي أقرته الأممالمتحدة على رغم ان المفهومين ما زالا يعانيان من الكثير من النقاط الغامضة ومن سياسة الكيل بمكيالين كما يتهم كل من يلجأ اليهما، والخلاف أيضاً يتمحور حول موقع الأقطاب الكبرى في النظام العالمي الذي يتشكل وهل سيقوم على منطق الشراكة والمساواة في صوغ قواعد اللعبة الدولية ام على منطق تقاومه روسياوالصين الشعبية في شكل خاص وقوامه ان القوى الغربية تحدد الأجندة الدولية والسلوكيات المطلوبة في هذا الخصوص، إلى جانب الخلافات الاستراتيجية حول وجود الحلف الأطلسي على الحدود الأوروبية لروسيا الاتحادية ومعه القبة الحديدية، ودخول واشنطن الى القوقاز وصراعها مع بكين في بحر الصين، مما يجعل من سورية تعبيراً من جهة وتعزيزاً من جهة أخرى لتكريس منطق الحرب الباردة العائدة بقوة. على رغم ذلك كله وأمام الانسداد الحاصل وتصاعد العنف والمخاطر التي تطاول الجميع في حال حصول انفجار لسورية، تبدو هنالك اتصالات واعدة أهمها من دون شك الاتصالات والحوار في الاطار الثنائي الأميركي-الروسي المحكومة نتائجه في شكل كبير بموعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وقد تكون البداية في حرب المبادرات مجموعة اتصال حول كوفي أنان المبعوث الأممي العربي أضيق في عضويتها في مرحلة الانطلاق مما طرح سابقاً. وتضم في مرحلة اولى القوى الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وفي دائرة اوسع الدول الأعضاء في المجلس وهي بالطبع قادرة على ان تتشاور وتنسق مع الجميع خارج المجلس وداخله لبلورة صيغة تفاهم وخريطة طريق لخطة أنان ولمواكبة تنفيذ هذه الخطة والالتزام بذلك. الصيغ الديبلوماسية هي لتسوية المشاكل وليس لتعقيدها ولو أن اطلاقها في البداية قد يحمل رسائل تفاوضية ولكن اذا ما وجدت القناعة بأن التسوية وإقفال الملف السوري مصلحة حيوية للجميع ولو لأسباب مختلفة وبأوقات مختلفة، فإنه عند ذلك تمكن بلورة توافق دولي فاعل وإنقاذ سورية من الجحيم. * كاتب سياسي لبناني