إزمير في الساعة الثالثة قبل الشارع المقبل المقفر، متسولان، الأول بلا ساقين يحمله الثاني على ظهره. وقفا –كمثل حيوان على الطريق في منتصف الليل يحدق مبهوراً بأضواء سيارة- وبعد لحظة أكملا طريقهما وعبرا الشارع بسرعة كمثل أولاد في ملعب المدرسة، بينما ملايين الساعات من حرارة الظهيرة تدق في الفضاء. زرقة انزلقت وامضة فوق حوض المرفأ. سواد زحف ثم تضاءل، محدقاً من داخل حجر. بياض يهب عاصفة في العيون. عندما دقت الحوافر الساعة الثالثة واصطدمت العتمة بجدار الضوء كانت المدينة تزحف على باب البحر وتومض في مرمى النسر. أسرار على الطريق ارتطم ضوء النهار بوجه النائم. فازداد حلمه حيوية لكنه لم يستيقظ ارتطمت العتمة بوجه من كان يمشي بين الآخرين تحت خيوط شمس جزعة وكثيفة فجأة أظلمت، كهطول مطر غزير. كنت في مكان يتسع للّحظات كلها - متحف فراشات. مع ذلك لا تزال الشمس حادة كما كانت. كانت ريشتها المتلهفة ترسم العالم. آثار في الساعة الثانية بعد منتصف الليل: ضوء القمر. توقف القطار في منتصف السهل في البعيد نقاط ضوء في مدينة تتلألأ ببرودة على تخوم النظر. كما يذهب إنسان بعيداً في الحلم فلا يتذكر انه كان فيه عندما يعود الى غرفته. وكما يذهب إنسان بعيداً في المرض، فينقلب جوهر الأيام إلى شرارات كتلة، باردة ودون معنى على تخوم النظر، القطار واقف جامداً تماماً. الساعة الثانية: ضوء قمر كثيف، ونجوم نادرة. ابتهال أحياناً كانت حياتي تفتح عينيها في الظلمات. عندما كنت أرى حشوداً عمياء مضطربة تمر في الشوارع بحثاً عن معجزة كنت أقف لامرئياً. كمثل الطفل عندما ينام مرتعباً مصغياً الى خطوات قلب ثقيلة. طويلاً، طويلاً الى أن يقذف الصباح خيوط الضوء في الأقفال وتنفتح أبواب الظلمات. ستة شتاءات I طفل ينام في الفندق المعتم. وفي الخارج: ليل الشتاء يتدحرج فيه نرد الأعين الجاحظة. II نخبة من الموتى تحجّروا في مقبرة كاتارينا حيث ترتعش الريح في عتادها السفالباردي. III في شتاء الحرب عندما كنتُ مريضاً كانت قطعة جليد ضخمة تتمدد أمام النافذة. جار ورمح لصيد الحيتان، ذاكرة بلا تفسير. IV يتدلّى الجليد من طرف السقف. قطع جليدية: القوطي مقلوب. مواش تجريدية، أثداء من زجاج. V عربةُ قطار فارغة على طريق مرآب. ثابتة. مرحبة. رحلات في براثنها. VI هذا المساء ستار ثلجي، ضوء قمر. قنديل البحر القمري يطوف أمامنا. ابتساماتنا في طريقها الى البيت. شارع مسحور. ترجمة قاسم حمادي