يتشبث الطرفان الأميركي والروسي بمواقفيهما من غير استماع أيٍّ منهما إلى وجهة نظر الآخر. والروس لا ينفكون يرددون كلامهم عن حجم الأخطار المترتبة على الدرع الصاروخية الأميركية، في وقت تلتزم واشنطن الصمت إزاء المسألة. ويرفع الخبراء العسكريون الروس حدّة المناقشات حول كيفية التعاطي مع الدرع، وقال رئيس أركان الجيش الروسي الجنرال نيكولاي ماكاروف، إن روسيا جاهزة إذا دعت الضرورة، للرد بأسلحتها التقليدية على المنظومة الأميركية، ولتوجيه هجوم صاروخي ساحق يدمر الدرع. فموسكو نشرت قطعاً صاروخية هجومية على حدود روسيا الجنوبية والشمالية الشرقيّة، ومنظومة"إسكندر"المنشورة في جيب كاليننغراد. ولم تحمل التصريحات هذه جديداً، لكن نبرتها اتسمت بالاعتدال، وسبق للرئيس السابق ديمتري مدفيديف أنْ لوَّح بمثل هذا الرد في تشرين الثاني نوفمبر الماضي. وأجرى نائب رئيس أركان الجيش الجنرال فاليري غيراسيموف، أخيراً، عرضاً إلكترونياً لمحاكاة إطلاق الصواريخ الروسية اذا تواصل نشر القطع الجديدة من المنظومة الصاروخية الأميركية وثبت ارتباطها بالدرع في فورت?غريلي في آلاسكا وفاندربرغ في كاليفورنيا. وأظهر العرض من غير لبس، أخطار الدرع الأميركية على قدرات روسيا، وقدم البيّنات على أن منظومة الدفاع الصاروخية لن يسعها اعتراض الصواريخ الإيرانية المحتملة على أوروبا، على خلاف الرادارات الروسية في الجزء الأوروبي من البلاد، القادرة على رصد إطلاق مثل هذه الصواريخ. وترفض السلطات الأميركية المعلومات الروسية، على رغم أنها قد تكون ركن بناء منظومة روسية? أميركية قادرة على اعتراض الصواريخ الإيرانية من الأراضي الروسية. لكن الولاياتالمتحدة غير مستعدة للتعاون مع روسيا. ولم يبرز العرض الالكتروني مكامن الضعف في القدرات الصاروخية الروسية، بل أظهر مواضع خلل أخرى، مثل النقص في أعداد الغواصات الحاملة للصواريخ. ويرفض نائب الأمين العام للحلف الأطلسي الناتو ما تسوّقه موسكو، ويرى أن السلاح الذري ضمانة كافية لروسيا في مواجهة الدرع. ويذهب الى أن المنظومة الصاروخية الأميركية? الأوروبية تستهدف الصواريخ الباليستية البدائية، وأنها عاجزة تالياً عن مقاومة هجوم صاروخي ساحق من الترسانة الروسية الحديثة. ويخلص الى أن الدرع الصاروخية لا تهدد روسيا. لكن واشنطن تتجاهل الترابط العملي بين المنظومة الأميركية الأوروبية وبين منظومتها القومية والتنسيق الفوري والتلقائي بينهما، على رغم نفي أميركا مثل هذا الترابط. ويطيح التفاعل بين المنظومتين قدرة روسيا على الرد، فربط الشبكات هو بمثابة ستار حديد تقني وعلمي يصعب خرقه. وتثير الشبكات التقنية والعسكرية في الدرع الأميركية القلق، وليس الخطر وشيكاً اليوم، لكن التطورات المترتبة على الدرع تستدعي الانتباه. وتبرز الحاجة الى مراقبة نوعية الأسلحة والتقنيات التي سيدخلها الأميركيون في نظام الضربة العالمية في العقدين المقبلين. وغياب القدرة على التواصل البنّاء بين موسكووواشنطن، قد يطلق سباقاً جديداً في الحقل الذري والصاروخي. * محلل عسكري،"نوفوستي"الروسية، 3/5/2012، إعداد علي شرف الدين