"حزب القراصنة"تسمية تستخدمها أحزاب سياسية في بلدان عدة، غالبيتها أوروبية. وتدعم هذه الأحزاب الحقوق المدنية، الديموقراطية المباشرة، الشفافية، إصلاح قوانين الملكية الفكرية، حرية مشاركة المعرفة، وسريّة المعلومات والتعليم المجاني. والمقصود ب"القراصنة"، مجموعة ناشطين إلكترونيين اجتمعوا لحماية فضاء الإنترنت الذي بنوه بأنفسهم خلال عقدين من الزمن، بعدما بدأت حكوماتهم محاولة فرض سلطتها على هذا العالم الافتراضي. وتستلهم عشرات أحزاب القراصنة حول العالم التجربة الناجحة لحزب القراصنة في كل من السويد وألمانيا، لتطرح بدورها نسخة معدّلة من هذه الفكرة التي لم يكن في الإمكان تطبيقها لولا الإنترنت ودخولنا عصر المعلومات. فما هي المتغيرات التي سمحت لهذه الظاهرة باكتساب قاعدة شعبية واسعة، بل وأن تدخل البرلمان في فترة وجيزة؟ جيل الإنترنت تشكلت أحزاب القراصنة من جيل وُلد في ثمانينات القرن الماضي، وهو تاريخ ذو دلالات مهمة. ففضاء الإنترنت كان عنصراً أساسياً لعمل غالبية الناشطين في أحزاب القراصنة، والذين لا يستطيعون أن يتخيّلوا عالماً من دون إنترنت وأجهزة كومبيوتر محمولة وهواتف نقالة. كما أن هذا الجيل الذي وُلد في الثمانينات، تعرّف إلى تكنولوجيا المعلومات في سن مبكرة، وبطريقة سهلة وطبيعية كاللغة الأم، على عكس من ولدوا قبل تلك الحقبة وتعلّموا استخدام الكومبيوتر في سن متأخرة، كأنه لغة أجنبية. ثمّ أن أولئك الشباب ترعرعوا بعد انتهاء عصر الإيديولوجيات والحرب الباردة. أي أنهم لم يعرفوا صلابة الصراعات الإيديولوجية التي خفتت خلال القرن العشرين، ما ولّد لديهم رد فعل سلبياً تجاه الصراعات السياسية التقليدية القائمة. كما تميّز هذا الجيل بأكبر نسبة من المتعلّمين الحائزين شهادات جامعية، خصوصاً في القارة الأوروبية. تأسس أول حزب قراصنة في السويد في الأول من كانون الثاني يناير 2006 بقيادة ريكار فالكفينغ. وكان قد سبقه تأسيس مجموعة ضغط غير رسمية سُميت"مكتب القراصنة"، ويُختصر دورها في دعم النشاطات الرافضة لقوانين الملكية الفكرية. وفي المقلب الثاني، أنشأت المؤسسات الإعلامية وشركات الإنتاج"مكتب مكافحة القرصنة"من أجل وضع قوانين تلاحق المتعدّين على حقوق الملكية الفكرية. ووصل عدد المنتسبين إلى حزب القراصنة السويدي عام 2009 إلى 50 ألفاً ليصبح ثالث أكبر حزب سويدي من ناحية المنتسبين بعد ثلاث سنوات على تأسيسه. وبعد النجاح السريع للتجربة السويدية، نشأ أكثر من 40 حزب قراصنة حول العالم، غالبيتها في الدول الأوروبية، مع بلد عربي وحيد هو تونس. كما عقدت أحزاب القراصنة، عام 2009، في مدينة أوبسالا السويدية مؤتمراً دولياً اتفق خلاله المجتمعون على إعلان للأهداف المشتركة التي يجب العمل على تحقيقها في البرلمان الأوروبي. استطاع القراصنة أن يدخلوا صلب المعترك السياسي في فترة وجيزة، على رغم ابتعادهم عن البزات الرسمية وعزوفهم عن التنقل في سيارات فخمة. فقد حاز قراصنة السويد العام 2009 على 7.1 في المئة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، لينتزعوا المقعدين الأولين لهم في أول إنجاز أوروبي للحركة. وتُعتبر إميليا انديرسدوتر 24 سنة وهي نائبة عن حزب القراصنة السويدي، الأصغر سناً في البرلمان الأوروبي. كما حصل حزب القراصنة الألماني عام 2011 على 8.9 في المئة من الأصوات في انتخابات برلين، إضافة إلى مئات المقاعد المحليّة والمناصب في دول عدة غالبيتها أوروبية. في العام 2010، أُسس حزب القراصنة التونسي ليشكل التجربة الأولى للقراصنة عربياً. وكسب الحزب التونسي الصغير شهرة خلال انتفاضة الياسمين 2011 بعد اعتقال السلطات التونسية عدداً من أعضاء الحزب والاعتداء عليهم لمشاركتهم في التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام. وبعد تنحي زين العابدين بن علي عن سدة الحكم، عُيّن سليم أمامو، وهو أحد أعضاء حزب القراصنة، وزيراً للشباب والرياضة في حكومة الغنوشي. وكان هذا التعيين سابقة في حركة القراصنة الدولية، إذ تبوّأ"قرصان"منهم منصباً عالياً على المستوى الوطني. "قدامى المحاربين" وأدت تجربة القراصنة المتميّزة إلى دفع بعض"قدامى المحاربين"على الساحة السياسية إلى تغيير تكتيكاتهم. إذ يقول النائب الألماني عن اتحاد الديموقراطيين المسيحيين بيتر ألتماير لمجلة"دير شبيغل"الألمانية:"لن نمتلك قدرة التأثير في الشبكة العنكبوتية إلا عندما ندافع عن أنفسنا على الإنترنت". ويعترف ألتماير، الذي بدأ باستخدام"تويتر"لشرح آرائه السياسية، بأن غالبية الألمان لا تتبنى وجهة نظر الأحزاب الكلاسيكية في ما خص قوانين الملكية الفكرية، ما يضع القراصنة في موقع أقوى. إلا أن بعض المحللين يرى أن تجربة القراصنة"الراديكالية"مشابهة لتجربة"حزب الخضر"في الثمانينات، معتبرين أنها ليست سوى فورة موقتة. وترتبط شبكة الإنترنت في نسختها الثانية web 2.0 بطريقة مباشرة بمفهوم الديموقراطية. فالشبكة توفر ما لم يكن ممكناً من قبل. فعلى سبيل المثال،"ويكيبيديا"الموقع الخامس عالمياً ربما يعتبر أكبر موسوعة في التاريخ، وهو مثال على المشاركة الفاعلة للجماعات أو الديموقراطية في نقل المعرفة، على رغم التحفظات العديدة عن دقّة المعلومات ومصادرها. موسوعة بهذا الحجم كانت حلماً بالنسبة إلى حضارات وشعوب، إلا أنها تحولت حقيقة مع ظهور الإنترنت. وينشر المجتمعون في حزب القراصنة تفاصيل اجتماعاتهم مباشرة على شبكة الإنترنت ويتلقون الردود من بقية الأعضاء. والهدف من هذا الأسلوب هو تدعيم فكرة الشفافية وجعل كل الأعضاء شركاء في طرح المشاكل وحلولها، إضافة إلى منع أي اتفاقات سرية تخدم مصالح خاصة. كما يشارك من يريد من أعضاء الحزب في تصميم الحملة الإعلامية للقضايا الراهنة التي يتبناها الحزب، ويصوّت كل أعضاء الحزب على الفكرة الأفضل. ويتبادل الأعضاء المهمات بطريقة دورية بحيث لا يسيطر أي عضو على أي قطاع من قطاعات الحزب. وإذا أردنا نقل هذه"التكنولوجيا"إلى صلب العملية السياسية، يقترح القراصنة قيام انتخابات على أساس التصويت الإلكتروني. وهذه الفرضية بدأت التحوّل واقعاً. ففي إستونيا، أجريت أول انتخابات برلمانية إلكترونية عام 2011، واقترع فيها أكثر من مليوني ناخب عبر شبكة الإنترنت. وتوزّعت الأصوات بين 96 في المئة من المقيمين و4 في المئة من الإستونيين المغتربين في 106 دول. وحصلت تجارب مشابهة في دول مثل إرلندا وكندا. أما في الولاياتالمتحدة، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية، فسمحت بعض الولايات بالتصويت الإلكتروني في المراحل الأولى من السباق الرئاسي. وتتيح أساليب التصويت الإلكتروني الجديدة جذب عدد أكبر من المواطنين للمشاركة إذ أن لا ضرورة لمغادرة المنزل أو مكان العمل والانتظار طويلاً أمام مراكز الاقتراع. كما يساهم التصويت الإلكتروني في تعزيز الشفافية وسرعة العملية الانتخابية ووقف الضغوط على المقترعين وحصر حالات الغش. أضف إلى ذلك أن مشاركة المغتربين تصبح أسهل. وهذه ليست سوى البداية بالنسبة إلى القراصنة. فالهدف الأبعد، أو الحلم، هو تطبيق الديموقراطية المباشرة باستخدام ما تتيحه إمكانات الإنترنت من دون الحاجة إلى نواب عن الشعب. ويطمح القراصنة، وكثر غيرهم بالطبع، إلى بلوغ مجتمع يزول فيه الفساد والتحالفات السياسية التي لا تصبّ في مصلحة الفرد. فهل تنجح هذه التجربة في إعادة الاعتبار إلى المواطن ليصبح عن حقّ"مصدر السلطات"؟