منذ أيام جرت مباراة كأس بين اتحاد الجزائر واتحاد الحراش، وهما غريمان في الدوري الجزائري، تابعها الآلاف في الملعب الأولمبي، وفي التلفزيون. ولكن الذي حدث أن جمهوراً غاضباًَ في الملعب، انتقم من المباراة بإلقاء كاميرا التلفزيون الرئيسية من أعلى المدرجات، ليتوقف البث، ويكون المجال مفتوحاً أمام المشاغبين لتخريب الملعب، وتدمير منشآته. ليفتح النقاش مرة أخرى واسعاً حول عنف الملاعب، ويدخل المعترك الفاعلون في عالم الكرة، فالمدرب يرمي الكرة للحكم، والحكم يرميها للاعبين غير المنضبطين، واللاعبون يرمونها في شباك إدارة النادي، والإدارة في مرمى الإعلام المنفلت، والإعلام يضعها في بيت اتحاد الكرة الذي لم يضرب بيد من حديد، والاتحاد يصرخ بأعلى صوته إنه المجتمع.. والمجتمع لا يسمع شيئاً مما يقال. فالكرة العربية تمر بموسم مختلف جداً. فمعظم الملاعب فارغة، لكن لماذا؟ أولاً ملاعب بلدان الربيع العربي مثل تونس وليبيا وحتى سورية، تقيم مباريات في ملاعب من دون جمهور خوفاً من الانفلات الأمني وحدوث أعمال شغب، في ظل وضع هش، أو حرمان الجمهور من متابعة مباريات فريقه للتجاوزات، كما في الجزائر.. وفي مصر لم يكف الربيع ليفرغ الملاعب من جمهورها و"ألتراساتها"، بل عجلت كارثة بورسعيد باتخاذ قرار بتوقيف الدوري، فصار منتخب مصر وأنديته المشاركة في البطولات القارية، يبحثون عن ملاعب خارج الحدود.. وفي بلدان الخليج، على رغم الحضور المحتشم للجمهور، فإن نتائج المنتخبات الوطنية المخيبة، أحدثت نفوراً واسعاً لدى جمهور الكرة، الذي انسحب لمشاهدة بطولات أوروبا وأنديتها، بل أحياناً يكون عدد العرب الذين يحضرون كلاسيكو"الليغا"، أو مباريات مانشستر وتشلسي، أكثر من الذين يتابعون قمة بين قطر والإمارات، فهل هذا العزوف يمثل عقاباً للكرة العربية لتراجعها؟ أم أن هذا نتيجة طبيعة للانقلاب السياسي الذي يعرفه شارع يتحرك في كل الاتجاهات؟ أم أنّها مرحلة فراغ لا تنتهي إلا بانتهاء حالات الطوارئ التي بدأت مع البوعزيزي ولا يعلم نهايتها إلا الله. إذا كانت الكرة تعني المتعة والفرجة والفرحة، فهل اجتمعت شروط ذلك في الملاعب العربية؟ لا أعتقد أن ذلك متوافر حالياً.. فالسياسة أخذت الحيز الأكبر من اهتمامات الناس، ولم تنجح الكرة في فرض حضورها في ظل المتغيرات الجديدة.. ولما كان الناس يتحدثون عن الربيع السياسي، فإن الشتاء الكروي هو سيد الموقف. إذ إن القرار السياسي، ينظر إلى عنف الملاعب كتفصيل في عنف أوسع، أسبابه اجتماعية ونفسية.. وبعضها سياسي، وبالتالي فالأولوية كلها لتأمين الشوارع والمؤسسات، أما الملاعب، فأفضل قرار، أن تجرى المباريات من دون جمهور. وفي هذا معاقبة لجوهر الكرة في حد ذاتها، أي أن لا جدوى من مباراة لا يحضرها جمهور. وفي قرار كهذا أيضاً دفع بالجمهور إلى مزيد التعصب والعنف.. وكان الأفضل استخدام أساليب متبعة في بلدان، تعرف الألتراس و"الهوليغانز"ومثيري الشغب.. كما أن ربط الكرة بالأزمات السياسية، يعني إخراجها من المستطيل الأخضر إلى الشارع الأحمر.. وفي هذا مجازفة كبرى، لا يكون الحديث عندها عن غياب الجمهور، ولكن البحث عن الكرة. [email protected]