الخليل (الأراضي الفلسطينية) - أ ف ب - يستغرب جودة الحرباوي عدم رغبة الشبان الفلسطينيين في ارتداء الكوفية السوداء والبيضاء الرمزية التي يصنعها، لكنه وجد طريقة أخرى للحفاظ على حرفته. فبدلاً من بيع الكوفية في السوق المحلية التي تعاني صعوبات جمّة، قرر العمل مع مجموعة من الفلسطينيين في الخارج لتسويقها في العالم واللجوء إلى المواقع الإلكترونية للتواصل مع الزبائن. ومعلوم أن الكوفية الفلسطينية نالت شهرة واسعة بفضل الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي كان يلفها حول رأسه بعناية فائقة وأسلوب مميز، ما جعل منها رمزاً للموضة والسياسة معاً. وفي فترة سابقة، كان المصنع الذي أسسه والد الحرباوي، في ستينات القرن الماضي في مدينة الخليل بجنوب الضفة الغربية، ينتج 500 كوفية يومياً لتلبية الطلب المتزايد. وخلال الانتفاضة الأولى (1987 -1993)، اختار آلاف الفلسطينيين الكوفية كلباس موحد في التظاهرات التي شهدتها الأراضي المحتلة. لكن المصنع الوحيد الذي ينتج الكوفية في الأراضي الفلسطينية شهد لاحقاً تراجعاً في المبيعات لأن منتجات صينية أرخص ثمناً اجتاحت السوق. وبدأت الكوفية المصنوعة في الصين تدخل الأراضي الفلسطينية بوفرة، بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، نظراً إلى رفع الحواجز التجارية. ويقول الحرباوي إن الكوفية الصينية رقيقة ونوعيتها متدنية، لكن كلفتها أقل بكثير من نظيرتها المحلية. وفي الماضي، كان المصنع يتنافس مع مصانع سورية بالدرجة الأولى، إذ كانت الأسعار والنوعية قابلة للمقارنة. ومع تراجع الطلب واحتدام المنافسة، تخلى المصنع عن أربعة موظفين، واكتفى بموظف واحد يعمل بدوام جزئي. وفي داخل المصنع، تنتج بعض الآلات كوفيات غير تقليدية، متعدّدة الألوان، أو مزينة بالأزرق والأحمر والأبيض لاستقطاب الزبائن الأجانب. وتوضع اللمسات الأخيرة في مستودع ثان في الجهة المقابلة من الشارع، حيث تضيف ثلاث نساء شرابات ورقعة تبرز أن الكوفية «صنعت في فلسطين». وبما أن طريقة التصنيع هذه لا يمكن أن تنافس الإنتاج الصيني الضخم، لجأت عائلة الحرباوي إلى السلطة الفلسطينية طلباً للمساعدة. ويقول الحرباوي: «لا نطلب منهم منع الواردات، بل نريد فرض ضريبة على الواردات لنتمكن من المنافسة». ويضيف: «نحن نصنع منتجاً يرمز إلى فلسطين، ويمكننا أن نؤمن للحكومة عائدات، ونوجِد فرص عمل... لكنهم غير مهتمين». غير أن المصنع مدّ شريان حياة جديداً في الخارج، بفضل ناشطين من أصل فلسطيني أعانوا العائلة على تفادي إقفال المصنع. وتقول نورا قاسم، وهي من أعضاء المجموعة: «نفعل ذلك من أجل الكوفية الفلسطينية لأنها رمز سياسي مهم». هكذا، لجأت المجموعة إلى الانترنت للتواصل مع تجار التجزئة، وأنشأت موقعاً إلكترونياً وصفحة على «فايسبوك» بعنوان «الكوفية الأخيرة»، لتلقي الطلبات من الزبائن في أوروبا والولايات المتحدة وأميركا اللاتينية وغيرها. وتقر قاسم بأن عائلة الحرباوي «ترددت في البداية. ما تريد فعله هو التركيز على صناعة كوفياتها الخاصة وهذا من حقها. نحن نفعل ما في وسعنا أي أننا نركز على التسويق». ويلاقي هذا التعاون نجاحاً، إذ شهد المصنع نمواً بسبب الطلبيات من الخارج، وبات ينتج مئات الكوفيات شهرياً. وتبحث قاسم مع زملائها اليوم عن تجار بالجملة مستعدين لشراء الكوفيات بكميات كبيرة، بغية تنظيم عملية التسليم وعدم إثقال المصنع بطلبات هائلة.