تبدلت أحوال شهر آذار مارس في قلوب الأمهات في اليمن، لم يعد شهراً للاحتفاء، بعيد المرأة في الثامن منه وعيد الأم في الحادي والعشرين، وتحديداً منذ 18 آذار 2011 الذي ارتُكبت فيه أفظع مذبحة في الثورة الشعبية وصار شهراً للحزن. كان يوم جمعة، يوم سقط حوالى خمسين شاباً وطفلاً، اصطادهم قناصة تربصوا بالمعتصمين في ساحة التغيير في صنعاء، واُتبع بهجوم مباغت على العُزّل، خلّف مئات الجرحى والمصابين أيضاً. أسميت تلك الجمعة في ما بعد ب"جمعة الكرامة"، وكانت فاصلة في مسيرة الثورة الشعبية السلمية في اليمن. وظلت عبئاً تحملته الأمهات المشاركات في الثورة، وحتى أولئك اللواتي بقين في بيوتهن، واعتصمن بالصمت واكتفين بمتابعة الأحداث عبر شاشات التلفزة. عقب تلك المذبحة، ضجّت الساحات بهنّ، وصار حضورهن أقوى ومشاركتهن أعمق. لم تحضر الأمهات إلى الساحة بأيد فارغة، وإن لم تقصر مشاركتهن على إعداد الطعام للثائرين، فقد شاركن بصورة مباشرة في فعاليات الثورة، واضطررن لتحمل واجبات إضافية خارج المنازل، وشاركن برعاية جرحى المسيرات. وتروي مثل هذه المشاركة بوضوح الصورة الفائزة بجائزة صورة الصحافة العالمية، وهي صورة لأم يمنية يغطيها السواد تحتضن بلهفة ابنها الشاب، التقطها مصور صحيفة"نيويورك تايمز"الإسباني سامويل اراندا في تشرين الأول أكتوبر 2011، لتحظى بالجائزة في شباط فبراير 2012، بعد مرور عام على الثورة اليمنية، ويعتبرها القائمون على الجائزة الصورة التي تحدثت عن الربيع العربي بأجمعه. تلك الصورة كانت لأم يمنية، ظهر قفاز طبي بوضوح يغطي يديها، كانت ناشطة في المستشفى الميداني، وابنها مشارك في الثورة، والتقطت تلك الصورة لهما، حين عاد إليها من أحدى مشاركاته في المسيرات وكان مغشياً عليه إثر تعرضه لغازات أشيع أنها سامة. احتلت الأمهات الصدارة في الإعلام، وشكّلن مادته الأكثر وجعاً وحشداً لأنصار الثورة، فمن الأم التي فقدت طفلها ابن العشرة أشهر برصاصة طائشة، ومروراً بالأم التي قُتلت طفلتها في منزلها، وانتهاء بالأم التي قُتلت في محافظة تعز أثناء مشاركتها في مسيرات مطالبة برحيل النظام. لذا لم تكن الأمهات في اليمن، مكلومات على أولادهن، ولم يأكل القلق قلوبهن وحسب، أيعود أبناؤهن إلى أحضانهن أم تصطادهم رصاصة، بل شاركن بدمائهن في الثورة، ليثرن جدلاً كبيراً، فالنساء في اليمن كن على الدوام حدوداً محرماً المساس بأرواحها في المواجهات، غير أن الثورة غيرت المفاهيم. اليوم، لا تزال الأمهات يسددن فاتورة الثورة، فالاعتقال التعسفي يطاول أبناءهن وأزواجهن وأقاربهن، على رغم نشاط المنظمات الحقوقية للإفراج عنهم. وكثيرات لا يعرفن أين هم فلذات أكبادهن، وربما يفاجأن بهم في ثلاجة مستشفى جثثاً مجمّدة منذ أشهر، كما حدث مع أحدى الأمهات التي لم تتمكن من التعرف إلى جثمان ابنها بعد ثمانية أشهر من البحث عنه، إلاّ من وشوم في بطنه هي آثار لكي بالنار كانت تعالجه به وهو طفل!