في الوقت الذي يتعين عليها النهوض من كارثة فوكوشيما، تقلق طوكيو نتيجة التهديد المتصاعد الذي تشكله إعادة تسلح الصين. ووفقاً لتقديرات معهد"طوكيو فوندايشن"فإن الموازنة العسكرية الصينية التي كانت تعادل تقريباً تلك اليابانية عام 2000، تفوقها مرتين الآن. وستوازي الموازنة العسكرية الصينية في 2020 خمس أو ست مراتاليابانية، وستزيد في 2030 عن عشر مرات. يعتمد تقدير نمط النمو هذا على تمديد الاتجاهات الحالية، خصوصاً على اقتصار الموازنة العسكرية اليابانية على 1 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وهو يغطي قياس التغيير الجذري في موازين القوى الجاري في شرق آسيا. ولا تأخذ الأرقام الخام في الاعتبار أولويات تتبناها بكين التي تفضل تعزيز القوات البحرية والجوية والمضادة للأقمار الاصطناعية. الثورة المقبلة هذه تكمن في أساس النظرية الجديدة التي سيتبناها البنتاغون في كانون الثاني يناير المقبل ليعيد عبرها توجيه جهود الدفاع عن الولاياتالمتحدة نحو المحيط الهادئ، وهي تتركز تقليداً على المحيط الأطلسي والشرق الأوسط، وذلك في سياق قيود على الموازنة. وتظل اليابان وكوريا الجنوبية الحليفين الرئيسين في المنطقة لأميركا التي تريد تنويع نقاط ارتكازها بافتتاح قاعدة في أستراليا تضم 2500 عنصر من قوات"المارينز"، وعبر تعزيز القوات المنتشرة في جزيرتي غوام وهاواي. ويمكن إنشاء رؤوس جسور في الفيليبين حيث القاعدة البحرية سوبيك باي التي أغلقت في 1992. من وجهة نظر طوكيو، تبدو إعادة التوجه نحو المحيط الهادئ في سياسة البنتاغون، خبراً طيباً. ويعتبر هيروياسو اكوتسو الباحث في"المعهد الوطني للدفاع"، أن ذلك"يعزز أهمية التحالف الياباني - الأميركي ويقلص جدية الوضع في أكيناوا". ولم تنه اميركا وطوكيو المفاوضات على حلّ وضع القاعدة التي أُقيمت في جزيرة نائية من الأرخبيل الياباني، وتثير اعتراضات السكان. وفي صميم هموم اليابان كما الولاياتالمتحدة، نجد عزم الصين على امتلاك قدرة منع الوصول إلى بحر الصين. ويشدد المسؤولون اليابانيون على أن"صحيفة الشعب اليومية"الصينية وضعت هذه المقاربات البحرية بمثابة"المصالح الضرورية"لبكين. وبقيامها بالرد على الأهداف الصينية، تضع نظرية البنتاغون الجديدة"اليابان على خط الجبهة"وفق ما يرى مدير معهد اليابان للشؤون الدولية يوشيجي نوغامي. ويقول ان"اليابان جزء من خط الجزر الأول الذي يواجه الصين. وستتأثر خطوطنا البحرية"، مشدداً على أن"نقاشاً جدياً يتعين أن يجرى"في الأرخبيل حول هذه المسائل. لكن ذلك لم يحصل بعد على رغم أن صعود الصين والحوادث المتكررة مع صيادييها تزيد اهتمام اليابان بمسائل الأمن. واندلعت في أيلول سبتمبر 2010 أزمة خطيرة قرب جزر سنكاكو المتنازع عليها جنوب بحر الصين الشرقي، عندما صعد حرس الحدود اليابانيون على متن سفينة صيد صينية فردت بكين باستخدام سلاح حظر"المعادن النادرة"التي تسيطر على 95 في المئة من إنتاجها العالمي والمستخدمة في صناعة الأجهزة الإلكترونية. وعلى اليابان المقيدة بالدستور الشديد السلمية الذي أملاه الجنرال الأميركي دوغلاس ماكارثر أثناء احتلال الحلفاء اليابان غداة الحرب العالمية الثانية، التأقلم مع المناخ الإقليمي الجديد. ومثّل الرد الفوري على كارثة فوكوشيما لحظة مهمة: تمكن اليابانيون من تقدير فاعلية"قوات الدفاع الذاتي"التي يملكون، والتي لم تجرؤ على الاستنفار أثناء زلزال كوبي في 1995، وهبت هذه المرة لمساعدة المنكوبين. ويوضح الأستاذ في جامعة كيو، نايوكي أغاوا أن"مئة ألف جندي تدخلوا وبتنسيق وثيق مع القوات الأميركية. كان ذلك استعراضاً للقوة، راقبته الصين عن قرب شديد". وهذه علامة على أن عودة للوعي تأخذ مجراها في ما يتعلق بالأمن. وكانت خطوات اتخذت للتخفيف من القيود السلمية الصارمة حيث حررت الحكومة في كانون الأول ديسمبر الماضي، صناعة الأسلحة ومنحتها القدرة على المشاركة في البرامج الدولية. إلى الآن كان مسموحاً لهذه الصناعة بالمشاركة فقط في برامج الولاياتالمتحدة. يتعين الذهاب أبعد. ويعتبر كِن جيمبو أن على اليابان"تغيير نظريتها المحض دفاعية وأن تتبنى موقفاً أكثر دينامية. وبدلاً من انتظار مجيء الولاياتالمتحدة لمساعدتنا، علينا الاستفادة من وضعنا الجغرافي وتبني استراتيجية متجددة وتغيير بنية قواتنا بما يسمح لها بالقيام بعمليات سريعة". * صحافي، عن"لوفيغارو"الفرنسية، 14/3/2012، إعداد حسام عيتاني