تتابع الإعلامية اللبنانية نجوى قاسم مسيرتها المهنية عبر شاشة"العربية"بخطى ثابتة في وجه مصاعب المهنة. تشعر بالحزن عندما تسمع تعليقاً مسيئاً موجهاً الى الإعلاميين ويتّهمهم بأنّهم شركاء في القتل وفي الجرائم!"ما من إنسانٍ له الحق في أن يوزّع الإتهامات، وإن كان من مشكلة بين الإعلامي وبين طرف آخر فالقضاء هو الذي يحل النزاع وليس الكلام المحرِّض الذي يزيد الإحتقان في النفوس"، تقول. إن كان الإعلام وسيلة قادرة على تسليط الأضواء على الأخطاء والمخطئين، فهل يمكن اعتبار أنّ الإعلامي الذي يتعاطى القضايا الساخنة والمواضيع الحساسة في خطر؟ تجيب نجوى على السؤال بسؤال:"الإعلام إن لم يتعاطَ مع القضايا الحسّاسة التي تعني المواطن فماذا ينفع؟"وتضيف إنّ أهداف الإعلام في العالم العربي كانت دوماً تحقيق حرية الرأي والتعبير والشفافية، فهل يجوز لنا حين نبدأ بتحقيق أجزاء منها أن نقع بالخوف؟ نجوى قاسم التي طالما أطلّت من ساحات الحروب ومن أماكن الإنفجارات ووقفت تحت القذائف، هل ترى أنّ كل هذه الأمور أسهل من التعرّض لسيوف الكلام الجارح؟"للأسف نعم"وتضيف:"فحين تكون قد دافعتَ عن قضية حق وكنتَ في موقع الخطر في أوقات كثيرة وكنتَ تُعتبَر أنّك تقوم بعملٍ مهني عظيم ستشعر بالجرح حين تتحوّل فجأة إلى متّهَم بمجرّد أن تأخذ موقفاً لا يُعجِب شخصاً آخر"! إلى أي درجة ترى أنّ الإعلام قادر فعلاً على ارتكاب الجرائم من خلال الفبركات الإعلامية التي تشوّه الوقائع وتحرّف الحقائق؟ توضح نجوى أنّ عبارة"الفبركات الإعلامية"تحمل بُعداً سياسياً أكثر ممّا تحمل مضموناً حقيقياً،"فكل محطة تحدّد أولوياتها كما تريد، لذلك تجد محطةً تتحدّث مطولاً عن حدثٍ ما في حين لا تأتي محطة أخرى على ذكره، والعكس صحيح، بالتالي لا يمكن للجهتين أن تقولا انّ الخبر الذي لم ترغبا في نشره هو مفبرك". وتتساءل قاسم كيف يمكن اعتبار الإعلام في تونس ومصر، الوسيلة الأساسية لنجاح الثورة ثمّ يتحوّل فجأة في بلدان أخرى إلى متّهَم يقوم بفبركات؟! وتشدّد على ضرورة الاتفاق على ضوابط مشتركة ضمن حدود قانونية تحترم حرية التعبير وحرية الرأي وتحترم السلامة وتسهر على أمن الإعلاميِّ الذي قد يصبح بين ليلةٍ وضحاها الحلقة الأضعف. بما أنّ نجوى قاسم ذكرت أنّ لكل وسيلة إعلامية سلّم أولويات، وبما أنّ كُثراً يتّفقون على أنّ ما من إعلام بريء يسعى فقط إلى إيصال الحقيقة الكاملة من دون أن تكون له أهداف خاصّة، هل يمكن إذاً الثقة بوسائل الإعلام طالما أنّ كل محطة تختار أن تنقل ما يناسبها؟ قبل الإجابة عن السؤال ترى أنّه يجب أولاً الإبتعاد عن التعابير التي تنطلق من منطق المحاكمة، وتفضّل استبدال عبارة"ما من إعلام بريء"بعبارة"كل وسيلة إعلام لها طريقة عملها الخاصّة"، بعدها تقول:"الجواب بسيط!"وتشرح قاسم أنّ مَن يهتم بمعرفة الصورة الشاملة لِمَا يجري فعلياً على أرض الواقع ليس له إلاّ أن يشاهد كل المحطات. كيف ترى نجوى قاسم تأثير الثورات العربية على الإعلام وتأثير الإعلام على هذه الثورات؟ تجيب:"لا شك في أنّ الثورات العربية مرّت بمراحل، فلو أردت الإجابة عن هذا السؤال قبل عامٍ لكانت إجابتي ستختلف". وتتابع موضحة أنّ تحركاتٍ كثيرة في العالم العربي كانت ستموت في مهدها لو لم يحضنها الإعلام، والإعلام ما كان سيلعب دوره بهذه القوة لو لم يكتشف العالم العربي أنّ كلّ شخص قادر على أن يكون مراسلاً أو ناقلاً للخبر، وأنّ الأبواب مشرّعة أمام الجميع كي يساهموا في إيصال المعلومة. أمّا أهم ما قامت به الثورات ووسائل الإعلام فهو، وفق قاسم، تعريف الشعوب العربية بعضها ببعضٍ،"فقبل عام 2011 كان العالم العربي ساحة تفجيرات وساحة لتنفيذ عمليات لل"قاعدة"، ومكان لعقد القِمَم والإجتماعات الرسمية، في حين أنّ الشارع العربي لم يكن موجوداً والمواطن العربي لم تكن له هوية واضحة في ذهن مواطنٍ عربي من بلد آخر". قاسم التي نالت أكثر من جائزة وتحظى بشعبية عند فئة كبيرة من الجمهور، تتعرّض في الوقت عينه إلى هجوم قاسٍ من فئة كبيرة أيضا، فهل تعتبر أنّ الإعلامي لا يمكن أن يحظى بمحبة كل الناس، على عكس ما يمكن أن يحصل ربما للممثل أو للفنان؟"لا أعتقد أنّ هناك شخصاً في هذا العالم يحبه الجميع، وأعرف أنني لست المفضّلة عند الجميع لأنّ بعضهم لا يعجبهم الموقف الذي أعبّر عنه، لكن هذا الأمر لا يزعجني لأنّه يكفيني فخراً ألاّ يستطيع أي شخص أن يقول إنّني لست مهنية أو لست محترفة".