دقت أجراس الكاتدرائية المرقسية في القاهرة أمس إيذاناً باختيار الأنبا تواضروس بطريركاً للكنيسة القبطية الأرثوذكسية خلفاً للبابا الراحل شنودة الثالث، إثر"قرعة هيكلية"سحب خلالها طفل اسمه من بين ثلاث ورقات ضمت ثلاثة أسماء انتخبها ممثلو الاقباط الأسبوع الماضي للمشاركة في القرعة. واستقبل آلاف الأقباط الذين حضروا قداساً جرت خلاله القرعة، إعلانَ اسم البابا الرقم 118 بتصفيق حاد وأجهش كثيرون. وهنأ الرئيس محمد مرسي ورئيس الحكومة هشام قنديل ومرشد جماعة"الإخوان المسلمين"محمد بديع ورئيس حزب"الحرية والعدالة"، الذراع السياسية للجماعة، سعد الكتاتني ورؤساء أحزاب عدة وشخصيات عامة والناطق باسم الجيش، الأنبا تواضروس على اختياره، فيما تجاهلت القوى السلفية الحدث ولم يصدر أي منها أي رد فعل. واستقبل البابا الجديد نبأ اختياره في القرعة الهيكلية التي جرت في كاتدرائية الأقباط أثناء صلاته في دير الأنبا بيشوي في وادي النطرون، وتصادف يوم تنصيبه مع الاحتفال بذكرى ميلاده الستين. وأكد البابا تواضروس الثاني في تصريحات صحافية بعد انتخابه، انه سيكون"خادماً للشعب المصري كله، بمسلميه ومسيحييه"، وأن أولوياته في المرحلة المقبلة تتمثل في"ترتيب البيت من الداخل في تعاون ومحبة مع الجميع". وقال إن"الكنيسة أثبتت خلال الفترة الماضية أنها كيان مؤسسي يتعاون في إدارته كل من المجمع المقدس والمجلس الملي والهيئة القبطية للأوقاف وكل الكهنة والخدام في الكنيسة، ودوري يكمن في تنظيم هذا العمل لتقوم الكنيسة بدورها في الخلاص وخدمة المجتمع". ووجه البابا تواضروس الشكر لعدد من أساقفة الكنيسة على ما قدموه خلال الفترة الماضية. وأكد أنه سيسير"على نهج البابا المتنيح شنودة الثالث". وسُئل البابا الجديد عن الاحتقان الطائفي في مصر، فقال:"متي وجدت المحبة لن تجد مشاكل على الإطلاق، وإن وجدت فسيتم حلها بالحكمة والمودة التي ترضي الجميع، فنحن نسير في مركب واحدة ونرجو أن تصل إلى بر الأمن والأمان". وبدأت مراسم القداس في السابعة صباحاً بخروج موكب ضم الأساقفة والمطارنة من أعضاء المجمع المقدس من المقر البابوي اتجهوا إلى الكاتدرائية المرقسية الذي أقيم فيها القداس وتقدمهم الشمامسة وخدام الكنيسة يرتدون ملابس الخدمة البيضاء ويرددون الترانيم المسيحية. وإلى مطارنة وأساقفة الكنيسة المصرية، شارك وفد من الكنيسة الأثيوبية التي انفصلت عن الكنيسة المصرية قبل عقود، وعقب انتهاء القداس بدأت مراسم القرعة الهيكلية، باختيار قائم مقام البطريرك الأنبا باخوميوس طفلاً من بين 12 طفلاً تتراوح أعمارهم بين خمس و8 سنوات، كانوا اختيروا من ضمن 270 طفلاً تقدموا باستمارات للمشاركة لسحب القرعة الهيكلية التي حددت البابا الجديد. ووضع قائم مقام البابا عصابة زرقاء على عيني الطفل بيشوي مسعد جرجس الذي سحب كرة زجاجية من بين ثلاث كرات بها أوراق مكتوبة فيها أسماء ثلاثة مرشحين اختيروا الأسبوع الماضي في اقتراع للمجمع الانتخابي في الكنيسة التي تمثل معظم مسيحيي مصر. وبعد أن سحب الطفل الكرة عرض الأنبا باخوميوس الورقة التي في داخلها أمام الحضور معلناً اختيار الأنبا تواضروس. وهنأ الأنبا باخوميوس"الشعب المصري والعالم بتتويج تواضروس على كرسي مارمرقس الرسول"، بعدها كشف الأنبا بولا الورقتين اللتين تحملان اسمي المرشحين الآخرين الأنبا رفائيل والقمص رافائيل أفامينا. وسيقام حفل تنصيب البابا الجديد في 18 تشرين الثاني نوفمبر الجاري، فيما صدر قرار جمهوري بتعيين الأنبا تواضروس بطريركاً للكرازة المرقسية. وتنتظر البطريرك الجديد تركة ثقيلة في ظل التوترات الطائفية التي تشهدها مصر من حين إلى آخر وعدم استقرار الوضع السياسي منذ الثورة، فضلا عن أمور كنسية، منها لائحة اختيار البابا، التي تطالب أصوات قبطية بتغييرها. وعرف عن البابا تواضروس تفضيله النأي بالكنيسة عن السياسة. وكان تواضروس حل في المركز الثاني في الانتخابات التي جرت الإثنين الماضي بين 5 مرشحين بعد أن حصل على 1623 صوتاً. وهو ولد في 4 تشرين الثاني نوفمبر 1952 باسم وجيه صبحي باقي سليمان، وتخرج من كلية الصيدلة في جامعة الإسكندرية العام 1975 وحصل على بكالوريوس الكلية الإكليريكية وزمالة الصحة العالمية في إنكلترا العام 1985، وظل يعمل مديراً لمصنع أدوية تابع لوزارة الصحة في دمنهور حتى التحق بالرهبنة في 31 تموز يوليو 1988، ورسم قساً في 23 كانون الأول ديسمبر 1989، ثم انتقل إلى الخدمة في البحيرة في 15 شباط فبراير 1990، ثم نال درجة الأسقف في 15 حزيران يونيو 1997. ويحظى الأنبا تواضروس بتأييد الأنبا باخوميوس أسقف البحيرة قائم مقام البطريرك، فهو تلميذه وعمل معه في أسقفية البحيرة لفترة طويلة. وحصل تواضروس على تزكيات عدة من أساقفة أبرزهم منافسه في القرعة الهيكلية الأنبا رفائيل وأسقف ألمانيا الأنبا دميان وأسقف ملبورن الأنبا سوريال ورئيس دير السريان الأنبا مكاريوس وأسقف سوهاج الأنبا باخوم وأسقف البحيرة الأنبا أندراوس. وعن رؤيته لمستقبل الكنيسة، قال الأنبا تواضروس في إطار لقاءات تعريفية بالمرشحين لمنصب البابا:"يجب أن نهتم بفصول التربية الكنسية منذ الصغر وأن نجعل فصول إعداد الخدام من أولوياتنا، فالخدمة هي التي ستصنع نهضة جديدة داخل الكنائس، سواء في مصر أو في بلاد المهجر". ويطالب البابا الجديد بإنشاء معهد لإعداد خدام كنائس في المهجر لإطلاعهم على الثقافات المختلفة في الدول الأوروبية وأميركا وكندا، معتبراً أن إقامة قنوات للحوار مع الشباب أمر ضروري فهو يرى ضرورة لمّ الشمل بين الكنيسة وأقباط المهجر من جهة، والكنيسة والشباب المسيحي من جهة أخرى.